على إسرائيل فحص انسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية
«لقد مرت علينا فترات أصعب من هذه، لكن لم يكن لدينا فترات كئيبة أكثر من هذه»، هذا ما قاله على مسامعي صديق من غزة عندما طلبت منه قبل بضعة أسابيع وصف كيف يحلل وضع الفلسطينيين الآن. «لقد شهدنا مواجهات مريرة في الداخل.. ضربات قاسية من قبل إسرائيل، وخيانة من جانب العالم العربي، والتخلي عنا من قبل المجتمع الدولي»، قال «ولكن لم يمر علينا وقت كهذا، حيث لا يظهر فيه أي بصيص أمل في الأفق». أجل، الفلسطينيون يجدون أنفسهم في السنوات الأخيرة في أزمة شديدة متعددة الأبعاد: العملية السياسية غارقة في أزمة عميقة، وحلم الدولتين يبتعد بل يتلاشى بالتدريج، والانقسام الداخلي بين الضفة وغزة يتعمق، والجمهور الفلسطيني يشعر بعدم الثقة وأحياناً بالاغتراب تجاه قيادته، أما في الساحة الدولية فالموضوع الفلسطيني يفقد مكانته الرئيسية، وثمة حدث شرخ غير مسبوق مع الإدارة الأمريكية.
إذا لم يكن هذا كافياً، ففي السنوات الأخيرة حدثت هزة في الحقائق التي على أساسها أدار الفلسطينيون النزاع خلال عشرات السنين، وكانت في نظرهم مصدر الشرعية والتفاؤل. جزء من العالم العربي يشجع تطبيعاً محسوباً مع إسرائيل، حتى بدون تسوية بينها وبين الفلسطينيين.
الولايات المتحدة اتخذت خطوة دراماتيكية بشأن القدس، حتى بدون أن يتم التوصل إلى تسوية دائمة؛ وقدس الأقداس بالنسبة للفلسطينيين ـ قضية اللاجئين ـ تتعرض لتهديد على شكل تقليص المساعدات الأمريكية للأونروا وتغيير الاعتراف بمكانة اللاجئين.
بالاستعارة من مفهوم «دولة فاشلة»، لن يكون مبالغاً فيه اعتبار الفلسطينيين اليوم «قومية فاشلة».
ولكن الأزمة العميقة في الطرف الفلسطيني لا تبشر بالخير لإسرائيل، بل العكس، التوتر بين اليأس العميق من الوضع وبين عدم الرغبة في أن يصل إلى المصير الذي تدهورت إليه الدول العربية في فترة «الربيع العربي»، إزاء الأهمية التي يعطونها لنسيج الحياة المستقر في الضفة الغربية.. فإن جزءاً يزداد تعاظماً من الجمهور الفلسطيني بدأ ـ من خلال اعتبارات عملية بدون تحمس ـ يظهر الاهتمام بفكرة الدولة الواحدة. أي، كيان واحد، يمتد من النهر وحتى البحر، يعيش فيه الشعبان معاً.
حسب رأيهم، هذا السيناريو لن يكون مقترناً باقامة دولة مستقلة على المدى المنظور، لكن سيتم في إطاره ضمان الاستقرار الاقتصادي. هذا السيناريو يجسد إمكانية كامنة لانقلاب استراتيجي في المستقبل، أي، وضع يكون فيه للفلسطينيين هيمنة.
إسرائيل تدرك جيداً هشاشة النظام الفلسطيني، وبالأساس احتمال أن تطورات داخلية فيه ستنعكس سلباً وبسرعة على الساحة الإسرائيلية. الخوف الرئيسي في إسرائيل هو من تهديدات خطيرة مثل مواجهة عنيفة، وانتفاضة ثالثة، أو تفكك سريع للسلطة الفلسطينية يرافقه فوضى وإرهاب.
لكن ربما أن التهديد الحقيقي ليس بالضرورة «انفجار» في الضفة الغربية، وهو الذي يحذرون منه في إسرائيل منذ بضع سنوات ولم يتحقق. قد يتجسد التهديد من ناحية إسرائيل في الهدوء المستمر، اليومي، ليتجسد الواقع الجديد وغير المعترف به للدولة الواحدة، ذلك الذي في مركزه اندماج سكاني وجغرافي وديمغرافي متزايد بين الشعبين في الضفة الغربية.
هذا هدوء مخادع يخلق وهماً من إمكانية مواصلة النظام الحالي لفترة طويلة، على أساس الحفاظ على الاستقرار المادي. نهاية هذا الهدوء الذي سيجعل الشعبين في السنوات القادمة يواجهان واقعاً معقداً جرى تخيله بصورة عامة، لكن لم يتوقعاه بصورته المفصلة والملموسة. هذا الوضع سيغير الشروط الاستراتيجية الأساسية لدولة إسرائيل ويجبرها على إجراء نقاش عميق حول طبيعتها ومستقبلها كدولة يهودية وديمقراطية.
استنتاج كهذا يفرض تفكيراً معمقاً بخصوص البدائل الاستراتيجية التي تقف أمام دولة إسرائيل في السياق الفلسطيني بشكل عام والضفة الغربية بشكل خاص.
من جهة، ستكون هناك صعوبة في الحفاظ على الواقع الحالي في الضفة لفترة طويلة. ويتوقع كما يبدو أن يتطور إزاء التغييرات في النظام الفلسطيني (مثلاً، تداعيات اليوم التالي لـ «محمود عباس») أو في إسرائيل (مثلاً، تأثير الأزمات الاقتصادية فيها على الاقتصاد الفلسطيني).
من جهة أخرى، بديل إقامة دولة فلسطينية مستقلة استناداً إلى اتفاق مع إسرائيل الذي كان في الماضي هو البديل المفضل من ناحية الطرفين ـ يبدو على الأقل في هذه المرحلة ذا احتمال ضعيف.
على هذه الخلفية يوصى بفحص بديل الانسحاب أحادي الجانب من قبل إسرائيل من الضفة الغربية طبقاً للحدود التي تحددها إسرائيل. من المفضل أن تنفذ هذه الخطوة بتنسيق وموافقة الطرف الفلسطيني، ولكن إذا لم يتحقق ذلك فإنه من الضروري تنفيذها حتى بشكل أحادي الجانب. هذه الخطوة يتوقع بالطبع أن تكون مليئة بالتحديات والتهديدات الكثيرة بالنسبة لإسرائيل، لكن سيتجسد فيها إنجاز استراتيجي له مغزى مهم جداً وهو منع الانزلاق إلى سيناريو الدولة الواحدة.
ميخال ملشتاين
هآرتس 7/1/2019