فورين بوليسي: حكم الديكتاتوريين يزحف بدعم من الغرب وأمريكا

 

وهج 24 : تحت عنوان “ربيع الرجال الأقوياء” كتب روبرت كاغان في مجلة “فورين بوليسي” مقالا قال فيه إن الديكتاتوريين يزحفون ويساعدهم الغرب على تحقيق أهدافهم.

وجاء فيه أن عام 2018 كان ربيع الرجال الأقوياء في كل مكان. فقد كان العام الذي وضع فيه شي جينبنغ حدا للقيادة الجماعية في الصين وعين نفسه رئيسا مدى الحياة ووضع المسمار الأخير في نعش الباحثين في الشؤون الصينية ومصداقيتهم في تحليل التصرفات الصينية، خاصة أن هؤلاء الباحثين يتحدثون عن اللبرلة في الصين منذ وقت طويل. وفي مناطق أخرى من آسيا، فقد نال الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ- أون على إعجاب الرئيس الأمريكي وكفاءاته الديكتاتورية في الحكم وكذا رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان الذي يتباهي بسياساته غير الليبرالية. بل وحصل أوربان على استقبال الأبطال في إسرائيل حيث وصفه نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير نتنياهو “بأفضل قائد في أوروبا”. وفي نيكاراغوا قوى دانيال أورتيغا من موقعه كأنستاسيو سوموزا الجديد والذي تخلص منه باسم الشعب قبل أربعة عقود. وفي فنزويلا، استطاع نيكولاس مادورو البقاء رغم أنه الديكتاتور الوحيد في العالم الذي لا يحبه دونالد ترامب.

من النادر أن تغطي الصحافة الأمريكية  ممارسات الديكتاتور الشرس عبد الفتاح السيسي والذي يحصل على البساط الأحمر عندما يزور الولايات المتحدة..و بن سلمان و آخرين فقصصهم معروفة

وفي الشرق الأوسط شهد العام الماضي أحسن دراما قام فيها حاكم تركيا رجب طيب أردوغان الشمولي بالكشف عن مؤامرة مقتل الصحافي جمال خاشقجي. ويرى الكاتب أن محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي سيكون في وضع جيد بعدما حرف الإعلام الأمريكي نظره عن الجريمة البشعة لقتل خاشقجي وكذا الكونغرس الذي تجاهل وحشية السعودية في اليمن ولسنوات طويلة. ومن النادر أن تغطي الصحافة الأمريكية ولا التلفزيون الأمريكي ممارساتالديكتاتور الشرس عبد الفتاح السيسي والذي يحصل على البساط الأحمر عندما يزور الولايات المتحدة. وتتعامل إدارة ترامب مثل سابقتها إدارة دونالد ترامب مع الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط كحاجز في وقت تخطط فيه تفكيك علاقة الولايات المتحدة بالمنطقة قدر الإمكان. ويقول إن الأتوقراطية انتعشت في عام 2018 لأن الولايات عندما تتبنى سياسة واقعية وتحاول التخندق والعزلة فإنها تبحث عن الديكتاتوريين الذين تعتقد أنها تستطيع الإعتماد عليهم. ويرى الكاتب أن هذه هي السياسة التي تبناها ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. فعقيدة نيكسون تقوم على تخفيف التزامات الولايات المتحدة في الخارجية ووضع كل أوراق واشنطن في سلة شاه إيران والعائلة المالكة في السعودية. وانتج الأول الثورة الإسلامية التي لا تزال تربك المنطقة حتى الآن، أما الثاني فقد أنتج وهابية مستشرية و 15 من 19 مهاجما لأمريكا في عام 2001. ويشير كاغان إلى مطالب الأكاديميين الذين يناقشون بضرورة عودة أمريكا للعزلة في السياسة الخارجية أن على الولايات المتحدة التعايش مع “التنوع” في العالم والذي يحتوي على مزيج من الديكتاتوريين مع عدد قليل من الديمقراطيين.

الأتوقراطية عادت لأن الكثير من حكومات الغرب تتصرف بنفس الطريقة التي تصرف بها الإمبرياليون العنصريون الأوروبيون نهاية القرن 19، وزعموا أن العرب وغيرهم الذين تنقصهم التقاليد المسيحية- اليهودية لا يستطيعون التعامل مع الديمقراطية

وكما قال الأستاذ في جامعة هارفارد، غراهام أليسون فإن أمريكا بحاجة للتكيف “مع واقع تتبنى في دول أخرى مواقف متناقضة بشأن الحكم وتحاول تأكيد بناء نظامها الدولي المحكوم بقواعدها”. ويقول كاغان إن الأتوقراطية عادت لأن الكثير من حكومات الغرب تتصرف بنفس الطريقة التي تصرف بها الإمبرياليون العنصريون الأوروبيون نهاية القرن التاسع عشر. واعتقدوا أن العرب وغيرهم الذين تنقصهم التقاليد المسيحية- اليهودية لا يستطيعون التعامل مع الديمقراطية. وظل الأمريكيون ولعقود يعتقدون أن الكاثوليك لا يصلحون للديمقراطية أيضا، لأنهم يتبعون ديكتاتوريين في روما. وكان لا يسمح للأسيويين بقيم آسيوية اختيار من يريدون والآن لا يسمح للمسلمين لأن أمريكا لا تحب اختياراتهم. ولهذا تفضل أن يظلوا تحت حكم الديكتاتوريينوالرجال الأقوياء. فما يهم هو النظام امام الحرية فمؤجلة، كما ناقش صموئيل هانتغتون وجين كيرباتريك في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. ويقول كاغان إن الشمولية في تصاعد مستمر لأن الديكتاتوري لديها مال. وعلى خلاف قادة الأنظمة الديمقراطية فلا حاجة للكشف عن الأموال وأين تذهب. وحتى الأنظمة الفقيرة في أفريقيا مثل زيمبابوي ومصر تستطيع إنفاق ملايين الدولارات على شركات اللوبي في واشنطن من أجل الدفاع عن قضاياهم أمام النواب في الكونغرس.

أما دول الخليج وحكامها والذين يملكون عمليا واشنطن ويستقبلون الأقوياء في قصورهم ويحصلون دونما أي عناء على مقابلات مع أصحاب الحظوة. وتنتشر الشائعات حول ما حصل عليه المسؤولون البارزون في حكومة ترامب من منافع من ولي العهد السعودي. وبعد كل هذا فالمال الذي ضخه الأوليغارش الروس والأوكرانيين للمدان بول مانافورت ومساعديه وكذا الشركات القانونية التي قدمت خدماتها أصبح معروفا “وتخيل حجم المال الذي لم يتم الكشف عنه”. ويقول إن الصينيين لا يحتاجون لإنفاق المال على شركات اللوبي لان الشركات الأمريكية تقوم بالمهمة عنهم. ولأن الشركات هذه تريد الدخول للسوق الصيني فقد قامت بعمليات الضغط من أجل السماح لها بالإنضمام لمنظمة التجارة العالمية. وقامت باستئجار مسؤولين سابقين في الحكومة ودعمت كراسي بحثية في الجامعات ومراكز أبحاث وأقنعت أعضاء غرف التجارة المحلية التعامل مع الكونغرس ومحاولة إقناع واشنطن بأن هناك رأي عام يتعامل مع الصين كشريك يخوض عمليات لبرلة للإقتصاد. ونجحوا لدرجة لم يعد هناك مجال لعمل شيء ضد القوة المعسكرة التي خرجت بدلا من ذلك. وفي النهاية فالديكتاتورية زاحفة لأن أمريكا لا تعرف ماذا تريد من الديمقراطية. فالسياسة الأمريكية تعاني من القطبية والكونغرس في حالة انسداد والبيروقراطيون عاجزون. وفي الوقت الذي يقوم فيه بقية العالم بالحديث عن أمريكا ومحاسبتها بدأ الأمريكيون بالملاحظة ويقولون :أنظروا لفاعلية الصينيين.

وانظروا إلى قوة فلاديمير بوتين، ربما هذا ما يحتاجه العالم وما يحتاجه الأمريكيون هو رجل قوي يقوم بتجاوز التفاهات وإنجاز الأمور. ويقول إن هذه المشاعر المنتشرة بشكل واسع هي من العوامل التي أدت لظهور أدولف هتلر وجعلت بنيتو موسوليني شهيرا في إيطاليا وتم إحياؤها حول العالم. ويقول إن الديكتاتورية نجحت لأنها من طبيعة الإنسان مثل الديكتاتورية. وكما قال فرانسيس فوكاياما فالناس يريدون اعترافا، وليس هذا هو الشيء الوحيد الذي يريدونه. بل ويحنون للأمن الذي ينبع من العائلة والقبيلة والأمة. وفي بعض الأحيان لا يريدون حرية القيام باختيارات ويفضلون منحها للرجل القوي الذي يعدهم بحمايتهم ورعايتهم، وهذا هو ما يمنح الديكتاتوريين الربيع للإزدهار. ومهما يكن الحال فلو ظلت الديكتاتورية منتعشة في عام 2019 أم لا حتى في الديمقراطيات التي تم الإحتفاء بها مثل الهند والبرازيل، يعتمد في النهاية على قرار من يؤمنون بالليبرالية والديمقراطية الوقوف والتحدي. وبعد نهاية الحرب الباردة اعتقد الأمريكيون والأوروبيون أنه بإمكانهم الجلوس والإستماع بلحظة ما بعد التاريخ وبدا اليوم أن عليهم القتال وبشكل مستمر إن كانت الديمقراطية ستنجو لأن الغابة تكبر.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا