خيباتنا في الرياضة كما في السياسة!

حفيظ دراجي

 

ما عدا منتخب مصر قبل الثورة والأهلي المصري والترجي التونسي المستقرون نسبيا في تألقهم وسيطرتهم الكروية قاريا على مدار السنين، فإن أحوال أغلب المنتخبات والأندية العربية تشبه إلى حد بعيد أحوال كل البلاد العربية في عدم استقرارها وتذبذب مستوياتها ونتائجها امتدادا لأحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفشلها في الحفاظ على مقوماتها البشرية والفنية ومكاسبها التي تحققها الأجيال المتعاقبة من حين لآخر، بدون القدرة على خلق استثمار أمثل يقود للاستمرار في التميز، أمر لمسناه عبر التاريخ، وتجسد مجددا بعد انتهاء مباريات الدور الأول لكأس آسيا للأمم التي خابت فيها آمال الأردن وسوريا والسعودية والعراق رغم ما أظهرته من بوادر ومقومات كانت تعد بالكثير!
الأردن أبهر المتابعين في مباراته الافتتاحية أمام أستراليا، ثم أبدع عند مواجهته سوريا، وكان أول المتأهلين إلى الدور ثمن النهائي بطموحات كبيرة، لكنه فشل أمام فيتنام وخيب الآمال بأدائه التعيس. سوريا التي أبدعت في تصفيات كأس العالم 2018 وكنا نتوقع استمرارها في التألق لم تقدر على الفوز على المنتخب الفلسطيني وخرجت بخسارتين وأداء هزيل أمام الأردن وأستراليا، أما السعودية فكانت خيبتها أكبر وهي صاحبة أقوى دوري عربي وأفضل اللاعبين الذين شاركوا في مونديال روسيا لكنهم خسروا أمام منتخب قطري شاب فاز عليهم في كل شيء.
سيناريو العرب في الكرة اليوم يذكرنا بتاريخ مماثل للكثير من المنتخبات في كل المسابقات، وعلى رأسها المنتخب الجزائري الذي شارك مرتين متتاليتين في نهائيات كأس العالم في جنوب افريقيا والبرازيل التي تأهل فيها إلى الدور الثاني وأسال العرق البارد لأبطال العالم الألمان لكنه غاب عن الثالثة على التوالي والخامسة في تاريخه رغم احتفاظه بالجيل نفسه من اللاعبين المتميزين، لأنه لم يقدر أن يحافظ على نفس النسق بسبب حملات التهديم والتشكيك التي تعرض لها فنيا واعلاميا من جهات يزعجها تألق الأجيال الصاعدة فتركز دوما على نصف الكوب الفارغ وتسعى لإحباط المعنويات عوض التشجيع والتثمين والاستفادة من التجارب.
الشيء ذاته حدث لمنتخبي تونس والمغرب العائدين إلى كأس العالم بعد غياب طويل، واللذين ترشحهما التكهنات كل مرة للتويج باللقب القاري والتأهل الى كأس العالم، لكنهما يفشلان كل مرة ولا يستمران في التألق الذي كان يميزهما خلال سنوات التسعينات قاريا ودوليا، ومن خلال أندية الترجي والنجم والرجاء والوداد، وهي الفرق التي تتعرض في كل مرة لحملات تكسير ذاتي في وقت يشذ الأهلي المصري عن القاعدة ويتجاوز كل المطبات بفضل جماهيره الوفية ومدرسته الكروية وثقافة أجياله المتعاقبة التي تكبر على الفوز والتتويج والزعامة القارية والعربية، امتدادا لثقافة كل طفل مصري في اعتقاده الدائم أنه الأفضل والأقوى والأكبر ويجب أن يبقى كذلك ليتفوق ويتوج.
على النقيض مما يحدث للمنتخبات العربية كل مرة قاريا ودوليا فان كأس آسيا للأمم الجارية في الإمارات، لم تخرج عن القاعدة من خلال منتخبات شرق آسيا التي تحتفظ دائما بتألقها امتدادا لتألق بلدانها ومجتمعاتها في مجالات عدة اقتصادية وثقافية وفكرية وعلمية على غرار كوريا الجنوبية التي كانت في هذه البطولة هي نفسها التي أطاحت بألمانيا في كأس العالم بروسيا، وكان أداء منتخب ايران امتدادا لذلك الأداء الذي أحرج به اسبانيا في كأس العالم الأخيرة، كما كان منتخب اليابان في مستوى ذلك الذي أطاح بكولومبيا في روسيا، وكانت أستراليا هي ذاتها التي كادت أن تُوقع في الفخ بطل العالم المنتخب الفرنسي.
المنتخبات الأربعة المذكورة صارت على مدى عقدين من الزمن تنافس على اللقب آسيويا، وتشارك بانتظام في كأس العالم مهما تغيرت أسماء اللاعبين والمدربين والمسؤولين على الاتحادات، وصرنا نلمس عندها نفس المستويات والروح والإصرار، مع تطور كبير في مستوياتها الفنية، بينما نسجل نفس الخيبات عندنا في كل مرة مهما تعددت المواهب وتوفرت الإمكانات، وتبريرنا الجاهز يقول أن الخبرة خانتنا والتحكيم كان ضدنا والاعلام لم يساندنا، ونكرر نفس الأسطوانة لنفس الخيبات وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على أوضاعنا السياسية المضطربة عندما نتهم الأيادي الخارجية والامبريالية والصهيونية في كل الخيبات والاخفاقات التي نتعرض لها وكأن القدر يخبئ لنا نفس المصير دائما لأننا نرتكب نفس الأخطاء في السياسة كما في الرياضة.
بل في كل المجالات لا نقوى على المنافسة، ولا على الاستثمار في مهاراتنا وقدراتنا وانجازاتنا لأننا نكرر نفس الممارسات والأخطاء، وتسيطر علينا نفس الذهنيات واللوبيات الفاشلة التي ترفض التغيير والتجديد، وتسعى للبقاء جاثمة على صدورنا، تكبح الحريات والمبادرات، وتقمع المواهب والكفاءات وتحبط المعنويات في السياسة كما في الاقتصاد والثقافة والرياضة!
معيار التألق ثابت ولا يتجزأ حسب الأهواء، إذا كنت ناجحا في مجال ما، فذلك نتيجة تراكمات أخرى ناجحة في قطاعات أخرى رغم علمنا أن الرياضة وكرة القدم على وجه أخص في البلدان العربية هي ما يصطلح بتسميتها الشجرة التي تغطي على غابة الفشل.

إعلامي جزائري

قد يعجبك ايضا