شيخة الجفيري أول سياسية قطرية تقتحم مجال الانتخابات: قطر تمضي قدماً لتمكين المرأة وتجربتنا أصبحت نموذجاً لدول المنطقة

وهج نيوز : في قطر المقبلة على أول انتخابات لمجلس الشورى، يُلاحظ اقتحام عشرات المرشحات هذا المجال السياسي الذي كان إلى وقت حكراً على الرجال، والمنافسة على مقاعد الدوائر الانتخابية المنتشرة، وهي صورة لم تكن معتادة إلى وقت قريب. كان لا بد للغوص في تجربة البلد في مجال المشاركة المجتمعية، وتحديداً تمكين المرأة القطرية التي أصبحت في معظم المناصب وتضطلع بالمسؤوليات الهامة.

قابلنا شيخه الجفيري، عضو المجلس البلدي المركزي ورئيسة اللجنة القانونية في المجلس، والتي تلقب أول سياسية في قطر، حيث دخلت المعترك الانتخابي مع بدايات تجربة الانتخابات الفريدة في المنطقة، وحافظت على مقعدها لدورات مختلفة، تكريماً من ناخبي منطقتها لجهودها. سنغوص معها في واقع العمل السياسي وحظوظ المرأة في الانتخابات المقبلة، وهل أصبحت القطرية تحظى بالفرص ومن كان وراء هذا التقدم الحاصل …
■هل يمكن القول إنك فعلاً أول سياسية قطرية؟
نعم ولله الحمد، كنت فعلاً أول امرأة تفوز بمقعد في انتخابات المجلس البلدي المركزي على مستوى قطر والخليج العربي، وذلك في انتخابات سنة 2003. وهي فعلاً تجربة رائدة ولله الحمد. حيث خضت تجربة ثرية جداً، والمرأة القطرية أثبتت وجودها وهي تمارس أدوارها بكفاءة عالية.
■ كيف واتتك الفكرة لتقتحمي هذا المجال آنذاك، والذي كان إلى حد ما حكراً على الرجال في معظم دول المنطقة وليس في الخليج فحسب؟
عندما أصدر سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني القانون رقم 12 لسنة 1998 الخاص بالمجلس البلدي المركزي، وجاء في مواده أنه يجوز الترشح لكل قطري وقطرية، من دون تمييز، هنا ناداني واجبي الوطني، وجعلني أسجل كناخبة، ومن يومها بدأت قصتي مع العمل السياسي في بلدي.
■حدثينا عن تلك الفترة التي تقدمت نحو مجال السياسة؟
في عام 2003 ومن منطلق واجبي وحسي الوطني ترشحت في الدورة الانتخابية الثانية، عندما لاحظت عدم دخول أي رجل أو امرأة لخوض هذه الانتخابات في الدائرة التي أمثلها “التاسعة”. وقبل قفل باب الترشح بيومين، توجهت إلى المقر الانتخابي وسجلت نفسي مرشحة. ونظراً لصعوبة العادات والتقاليد في تلك الفترة، قام اثنان من أقربائي بالتسجيل حتى لا أفوز، وللحيلولة دون وصولي المجلس البلدي المركزي.
■ أكيد كسب الرهان أمام هذه المنافسة من أقاربك لم يكن أمراً سهلاً وميسراً في تلك الفترة؟
وقتها الأمور لم تكن بهذه الصورة التي وصلنا إليها في قطر، ولم تكن فعلاً سهلة، لكن بإصرار وعزيمة مني لم أبالِ بهذا التحدي، وقمت بإصدار برنامجي الانتخابي بعد التشاور مع أهل دائرتي، ثم قمت بتوزيع البرنامج على الناخبين والناخبات، وكان مطابقاً للقانون وبعدها قمت بالاتصال بهم، وكذلك بطرق أبواب البيوت، والاجتماع مع الأهالي في منازلهم، حتى تحقق الهدف وفزت.
■ هل كانت هناك صعوبات في استمرار قصة نجاحك في هذا المجال الذي كان يقترن غالباً بالرجال في دول المنطقة؟
فعلاً أذكر أنه في الدورة الانتخابية الثالثة سنة 2007، وبناءً على طلب الناخبين ترشحت مرة ثانية. وفي هذه الدورة دخل معي مرشحون من عوائل أخرى وكانت المنافسة قوية. كما تخللتها نقاشات مطولة مع الناخبين، وكانت هناك مناظرات حول البرامج الانتخابية، ولكن بحمد الله وبثقة الناخبين والناخبات، فزت باكتساح وبأعلى الأصوات على مستوى دولة قطر من بين الفائزين في تلك الفترة.
■ كيف استمر مسلسل نجاحك في هذه الانتخابات، بشكل مستمر؟
أتذكر أنه في الدورة الانتخابية الرابعة سنة 2011 ترشحت للمرة الثالثة، وهذه المرة لم تكن المنافسة ذكورية، حيث لم يدخل السباق الانتخابي معي أي رجل، وإنما ترشحت معي امرأة وهي فاطمة الكواري (المرشحة الحالية في انتخابات مجلس الشورى).
■ كيف كانت نظرة المجتمع لهذا التحول وأن تقتصر المنافسة على الانتخابات بين مرشحتين فقط؟
فعلاً كان أمراً فريداً وغير مألوف، حتى إن الصحافة أطلقت على الدائرة الانتخابية التاسعة “الدائرة الناعمة”، نظراً لوجود سيدتين فقط. وفي يوم الاقتراع مالت صناديق الاقتراع لي، حيث فزت على فاطمه الكواري باكتساح وبنسبة أكثر من 95 في المئة.
■ أخبرينا عن سر حفاظك على مقعدك في الدورات المقبلة حتى إن البعض صار يرى الدائرة أنها مرتبطة بك؟
لم تكن الأمور سهلة دوماً، وهناك تحديات واجهتني في مسيرتي، ففي الدورة الانتخابية الخامسة وكانت من أصعب الدورات، تم ضم ثلاث دوائر انتخابية وتحويلها إلى دائرة واحدة سميت بالدائرة الانتخابية الثامنة، وهي أكبر الدوائر الانتخابية، وتمثل ثلث مساحة الدوحة الكبرى. قررت إعادة الترشح بناء على طلب الجماهير، ودخل معي المنافسة هذه المرة ثلاثة رجال. ولكن والحمد لله بفضله وبثقة الناخبين والناخبات اكتسحت الدائرة 8 للمرة الرابعة.
■ يبدو أن الحظ رافقك في الدورة المقبلة؟ أم إنه العمل المستمر الذي تابعه الناخبون؟
الحمد لله، بفضل العمل المستمر والجهود التي بذلتها في الدورات السابقة، ترسخت شعبيتي، وكان هناك قبول جماهيري كبير، ففي انتخابات 2019 وللمرة الخامسة فزت كذلك وباكتساح وبأعلى الأصوات،. حتى إن المنافسين قرروا سحب ملفاتهم، وفزت بالتزكية.
■ أكيد هناك من دعّمك؟
نعم كان هناك دعم قوي من عائلتي وخاصة من شقيقي الوحيد عبد الله الذي لم يكن متحمساً في البداية دخولي هذا المجال واقتحام عالم السياسة، لكنه بعدها أصبح وما زال سندي ومشجعي على الاستمرار في خوض هذه الانتخابات. لأنني أثبت جدارتي والتزمت بالعادات والتقاليد، والتزام بتعاليم ديننا الحنيف، ودائماً فخور بي عندما يسمع من الرجال بأن أختك عن عشرة رجال، حتى إنه في المجلس البلدي المركزي أطلقوا علي “أخت الرجال”.
■ هل وجدت السند خارج الأسرة؟
كذلك الدعم الدائم من عميد عائلة الجفيري خالي أطال الله في عمره الوجيه جاسم بن محمد بن إبراهيم الجفيري. وللأمانة هناك الدعم والتشجيع اللامحدود من قبل صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وصاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وكذلك التشجيع والثناء الدائم من صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر حفظهم الله جميعاً، حيث إنهم يرعون تمكين المرأة القطرية، ويرون ضرورة خوضها المجال ومنحها كل الفرص اللازمة.
■ ما هي الصعوبات والعراقيل التي واجهتك؟
هناك العديد من المواقف التي تعرضت لها، لكنها لم تؤثر على عزيمتي وإصراري على خدمة وطني في هذا المجال. أذكر أنه في الدورة الانتخابية الثالثة من 2007 إلى 2011 واجهت صعوبات من قبل رئيس المجلس البلدي المركزي في تلك الفترة وعدم تعاونه معي، مع عدم تعاون الخبير القانوني معي بصفتي رئيسة اللجنة القانونية. إلا أنني قد تجاوزت هذه المرحلة والحمد لله متكلة على الله ثم على خبراتي القانونية المتواضعة، وبالتعاون مع أخواني أعضاء المجلس البلدي المركزي وبالأخص أعضاء اللجنة القانونية التي أترأسها.
ومن الصعوبات التي واجهتها كذلك في بداية هذه الدورة الانتخابية السادسة سنة 2019 و2020، حيث إن رئيس المجلس البلدي المركزي لم يكن متعاوناً معي، وعندما رشحت نفسي لرئاسة اللجنة القانونية وقف ضدي مناصرة لمنافسي الرجل، ولأول مرة يدخل في اللجنة القانونية عدد 25 عضواً ليقف غالبيتهم وبناء على طلب رئيس المجلس للتصويت للعضو الرجل الذي كان يريد منافستي على رئاسة اللجنة القانونية. ولكن بفضل من الله وإخواني الأعضاء فزت على منافسي وأصبحت رئيسة للجنة القانونية حتى الآن. وبعد فوزي، خرج رئيس المجلس ومناصروه من اللجنة القانونية وأصبح عدد أعضاء اللجنة الآن عشرة أعضاء فقط. والحمد لله جميع الموضوعات التي تحال إلى اللجنة القانونية أدعو الأعضاء إلى الاجتماع ونقوم بدراسة المواضيع أولاً بأول ويتم رفعها للرئيس الذي بدوره يعرضها على المجلس، وبعدها أصبح الآن رئيس المجلس متعاوناً معي ومع اللجنة القانونية وقد تجاوزنا تلك الفترة.
■ ما عوامل نجاحك؟
سعيت منذ قررت دخول هذا العالم أن ألتمس أسباب النجاح، ومن أهمها التقيد بنصوص قانون الانتخاب تحديداً رقم 12 لسنة 1998، وأيضاً التواصل الدائم مع الناخبين والناخبات قبل وبعد العملية الانتخابية، مع تقديم جردة حسابات بما تم تنفيذه من البرامج الانتخابية. لا بد أن أتحدث أيضاً عن تكاتف الأعضاء فيما بينهم داخل المجلس البلدي المركزي لما فيه الخير لصالح الوطن والمواطن. كما أشير كذلك لأهمية التواصل الدائم مع وسائل الإعلام المختلفة، ومد الجسور معهم، وهو عامل يعتبر في غاية الأهمية. ولا ننسى الدعم والتشجيع اللامحدود من القيادة الحكيمة للمجالس المنتخبة. خصوصاً وأنها كانت تجربة رائدة في المشاركة الاجتماعية.
■ وقطر مقبلة على انتخابات مجلس الشورى، هل سهلاً أن تنافس امرأة في مجتمع مشرقي الرجل وتفوز عليه؟
من خلال تجربتي المتواضعة، لم ألحظ تمييزاً في هذا المجال، على العكس تماماً، فعندما دخلت لأول مرة المجلس البلدي المركزي كأول امرأة وحيدة بين الرجال، وجدت تعاوناً من زملائي، لأنني كنت من قبل مديرة لإدارة الشؤون القانونية في أكبر وزارة في البلاد وهي وزارة التربية والتعليم، وكنت كذلك رئيسة لمجلس إدارة صندوق التكافل الاجتماعي للعاملين في الوزارة، حيث كان يتقدم عدد كبير من الرجال لرئاسة مجلس إدارة هذا الصندوق، ولكن كان الفوز حليفي وبأعلى الأصوات خلال دورتين متتاليتين؛ وهذا يدل على أنني كنت مخلصة في عملي. مما جعلني أنال ثقتهم، وبالتالي المرأة أصبحت شريكاً في نهضة قطر.
■ كيف كانت نظرة زملائك؟
خلال هذه الدورات الخمس التي فزت بها في انتخابات المجلس البلدي المركزي، كنت -ولله الحمد- محل ثقة إخواني أعضاء المجلس، وكان يتم انتخابي رئيسة للجنة القانونية بصفتي قانونية، ومخلصة في عملي وذات كفاءة عالية في المجال.
■ كيف كنت تمارسين عملك ومهامك ممثلة للناخبين وسكان الدائرة، وكيف تتجولين وأنت امرأة بين المؤسسات الحكومية لنقل انشغالاتهم؟
لم يكن مستغرباً علي أن أمارس عملي عضوة في المجلس البلدي المركزي، حيث كنت دائمة الاتصال مع الناخبين والناخبات، وأتلقى طلباتهم وشكاويهم، وأرفعها للجهات ذات الصلة بالشأن البلدي. أحياناً أقوم بزيارة إلى السادة الوزراء، وبعض الأحيان أقابل المسؤولين مع رفع الكتب إليهم، ثم متابعتها أولاً بأول حتى يتم إنجازها. ولم أشعر بأي رهبة عندما كنت أزور المسؤولين لأنني كما بينت لكم أني كنت من قبل مديرة أرأس الخبراء القانونيين والمفتشين في إدارة التفتيش الإداري والمالي بوزارة التعليم والتعليم العالي.
■ هل ترين أن تجربة قطر في تمكين المرأة انتقلت لدول أخرى، حيث لاحظنا أنه لاحقاً انتخبت امرأة في عمان عضوة في البلدية (الشيماء الرئيسي) وكذلك في السعودية وغيرها؟
نعم، إن تجربة قطر تجربة رائدة، فكنت أول امرأة قطرية وخليجية تفوز بمقعد بالمجلس البلدي المركزي، وكان للإرادة السياسية الحكيمة لحكومتنا الرشيدة الفضل الكبير في تمكين المرأة منذ إنشاء المجلس الأعلى لشؤون الأسرة الذي كانت ترأسه صاحب السمو الشيخة موزا بنت ناصر حفظها الله، حيث كانت تولي المرأة اهتماماً كبيراً منذ عهد سمو الأمير الوالد حتى عهد صاحب السمو الأمير المفدى الشيخ تميم بن حمد حفظه الله ورعاه.
■ما هي المواقف التي ما زالت راسخة في ذهنك؟
من المواقف المشرفة والتي لا أنساها الاهتمام اللامحدود من قبل صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وتوجيهاته الكريمة للحكومة بضرورة التعاون التام مع أعضاء المجلس البلدي المركزي، لما فيه الخير للوطن والمواطن، فكان ذلك دافعاً قوياً لنا لزيادة الإنتاج والقيام بعملنا على أكمل وجه.
■ هل أصبحت أيقونة للمرأة القطرية العاملة في المجال السياسي؟
من الذكريات التي ما زالت راسخة في ذهني، عندما ألقى صاحب السمو الأمير الوالد أطال الله في عمره الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كلمته في الأمم المتحدة، أثنى علي، وقال نحن فخورون بانتخاب امرأة في المجلس البلدي المركزي، فكان هذا الثناء دافعاً قوياً لي بأن أبذل قصارى جهدي لخدمة وطني.
■ هل حاولت نقل تجربتك في دول الجوار؟
هناك العديد من المواقف حول هذا الأمر، أذكر عندما قمنا بزيارة إلى دولة الكويت، وتمت دعوتنا لمقابلة صاحب السمو المغفور له إن شاء الله الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت، قال لي علناً إنه فخور بوجود امرأة منتخبة في المجلس البلدي القطري على مستوى الخليج في ذلك الوقت. أذكر أيضاً، عندما زرت مجلس اللوردات البريطاني، وحضرت إحدى الجلسات، وعندما علموا أني المرأة الوحيدة المنتخبة في بلدي، قاموا بالتصفيق لي. فكانت لحظة تاريخية ما زالت عالقة بذهني حتى الآن.
■ هل تشكل خبرتك دافعاً للمرأة القطرية لخوض تجربة انتخابات مجلس الشورى؟
بفضل توافر الإرادة السياسية من حكومتنا الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، فإن الدولة تولي اهتماماً كبيراً بالمرأة. لا ننسى أنه تم تعيين 4 سيدات في مجلس الشورى عام 2017. وأصبحت المرأة القطرية متمكنة في جميع المجالات، وتحلت أعلى المناصب، وهناك سيدات في مختلف مفاصل الدولة، وزيرات، ومديرات، وحتى في سلك القضاء، وفي أعلى المناصب في الدولة. وقدوتنا هي صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر حفظها الله، التي كان طموحها أن ترتقي المرأة القطرية أعلى وأهم المناصب.
■ كيف ترين وضع المرأة في قطر بشكل عام؟ وهل تتوقعين فوز مرشحات ووصول مجلس الشورى؟
واثقة أن مسيرة المرأة القطرية مستمرة ومتواصلة، وإن شاء الله سنرى قريباً نساء قطريات بكفاءتهن في مجلس الشورى المقبل.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا