الأردن و«المسكوت عنه»: القبيلة «على حافة» دولة «المنظومة»

الشرق الأوسط نيوز : يُبقي مخضرم جداً وخبير في الشأن المحلي من وزن وزير الداخلية الأردني الأسبق سلامة حماد، مسألة العلاقة بين الدولة أو بين النخبة والقبيلة في الحالة الأردنية، على الحافة بصورة حصرية، عندما يقرر فجأة مهاجمة رئيس الوزراء الأسبق ورئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي، رغم عدم وجود خلافات سياسية ظاهرة. ما حصل هو علاقة على الأرجح بخلاف ما، أو انزعاج من بعض وجهاء قبيلة بني صخر والوزير حماد أحد أركانها في كل حال وبين الرفاعي.

«حماد» ضد الرفاعي بعد «العجارمة»

الخلاف فيما يبدو له صلة بحوار عبر وسائط التواصل لم يكشف عنه النقاب بعد بين الرفاعي والناشط غازي أبو جنيب الفايز، وتدخل فيه بعبارات شرسة الوزير حماد، فيما اضطر لاحقاً رئيس مجلس الأعيان والزعيم الأبرز لقبيلة بني صخر فيصل الفايز، للرد والتوضيح وتقديم الاعتذار من عائلة الرفاعي.

«لا تفريط باسم القبيلة»

الفايز له مواقف مشهودة في الانحياز لـ»دولة القانون»، وقد سمعته «القدس العربي» مرات عدة مباشرة وهو يحذر من أي تفريط باسم قبيلته أو أي قبيلة أخرى بدولة القانون والمؤسسات، حتى عند بروز تجاذبات أو خلافات يمكن أن يجأ المتضرر منها للقضاء، وهو ما لم يفعله قريبه غازي الفايز في الاجتماع الذي تحدث فيه الوزير حماد. فجأة وعلى نحو غير مسبوق ودون علم مسبق للرأي العام، يحظى شريط فيديو يتحدث فيه سلامة حماد مرتدياً الزي العربي التقليدي وزي البادية الأردنية، بجرعة شرسة إلى حد غير مسبوق تماماً ضد الرفاعي.
حتى اللحظة، لا يعرف الأردنيون إلا أن حماد يهاجم باسم قبيلته، وهي إحدى القبائل الأساسية والكبيرة والمحترمة في الأردن، أحد أبرز رموز المؤسسة وطبقة رجال الدولة حالياً.
دون ذلك، لا يعلم من استمعوا للشريط وتداولوه ما هو الخلاف أصلاً، وإن كانت طبيعته «شخصية على الأرجح»، والجملة التي ظهر فيها حماد كانت أقرب إلى «تهدئة النفوس»، لكن ما لم يفسره هو جملة إضافية صدرت منه في الأثناء تنطوي على «مقاربة عددية عشائرية» وتؤشر على «عائلة الرفاعي»، مصراً على «احترامهم كأشخاص» وعلى البعد القبلي في مسألة الخلاف معهم عندما يحصل.
في كل حال، جملة حماد فسرت فوراً لدى الرأي العام على أنها «إساءة لعائلة الرفاعي» أو أقرب «لتجاذب جديد» بعد «المنظومة» وعلى خلفيتها بين أركان طبقة الدولة أنفسهم مع محاولات لسحب العشيرة مجدداً في اتجاه خلاف «غير سياسي».

غمزة غريبة

في الهامش وفي المناسبة نفسها وأثناء اجتماع آخر وجديد لنشطاء ووجهاء كما يفهم من السياق من بني صخر، استمع الجميع لصوت أحد وجهاء وهو يصيح معلقاً على مضمون ما تقدم به الوزير حماد، وبصيغة يريد أن يوجه فيها رسالة للملك، أي متأملاً أن يحسن الملك اختيار الرموز وكبار المسؤولين في الواقع.
حماد فيما يبدو، حاول تخفيف حدة انزعاج قريبه غازي الفايز، وعلى أساس أن الرفاعي لا يملك الحق بالإساءة للعشائر والقبائل الأردنية، والأهم على أساس أن إغضاب شخص واحد من قبيلة بني صخر لأي سبب سيعني الإساءة لكل القبيلة، ومثل هذا الخطاب تردد رغم عدم وجود ولو دليل واحد مقنع على أن الرفاعي تعرض لأي عشيرة أو قبيلة.
اللافت جداً في هذا المشهد هو أن نجمه سلامة حماد، أحد أبرز خبراء القانون وكيفية إدارة الأمور مع العشائر والقبائل الأردنية، وشخصية بيروقراطية مسيسة جداً ومخضرمة وليست من النوع الذي يسعى للأضواء أو يستقطبها الإعلام، لذلك بدأت جملته ضد سمير الرفاعي، لا بل ضد عائلة الرفاعي أيضاً باعتبارها «عائلة قليلة العدد»، غمزة محددة غريبة جداً، لا بل محطة تستحق التأمل والتوقف والاستدراك لمعرفة الأثر المحتمل لاكتشاف بعض أركان القبائل والعشائر الأردنية من أبناء النظام والدولة والمؤسسات، بأن بعض المعطيات «على الحافة».
في العادة، تغضب العشائر أو جزء منها، وفي العادة يلاحظ أو يعترض رموز التيارات القبلية أحياناً، لكن «نخبة كبار المسؤولين «لا تشتبك مع بعضها انطلاقاً من «خلفية عشائرية أو قبلية».
عندما يفعل شخص بوزن حماد ذلك، لا بد من التوقف والاستفسار والتأمل؛ لأن المسألة لم تعد متعلقة بـ»اعتراضات القبائل»، بل بـ»بشعور رموز الدولة والنظام» من أبنائها بالتهميش والإقصاء أيضاً، الأمر الذي يلاحظ عموماً مؤخراً بأنه «متحرك للغاية» على خلفية نقاشات «المنظومة والتعديلات الدستورية، ولاحقاً ما هو جوهري في ترميزات رسالة الملك بمناسبة ميلاده الـ60 وحصرياً في الجزء المتعلق منها بمواصفات «المسؤول الجيد»، وهي مواصفات توحي ضمنياً بأن الرفاعي هو الأقرب لها.
محور حماد – الرفاعي وبعد ضم «اعتذار الفايز» له، يوحي مجدداً بأن تلك العلاقة المألوفة لعقود بين «الدولة والقبيلة»، على حافة النقاش الآن. والحافة المقصودة هنا هو ما ترمز إليه المنظومة التي ترأس لجنتها الرفاعي، حيث المرتابون كثر على واجهة العشائر بتداعيات «الشكل الجديد للدولة» في ظل أحزاب ستتقاسم حصة من الإدارة العليا بعد عقود من الولاء والانتماء، لا بل الانتصار للدولة الأردنية طوال المئوية السابقة وعشية المئوية الجديدة.
عملياً، لا مجال للمزاودة على أبناء العشائر الأردنية، وعندما يتعلق الأمر ببناء الدولة الأردنية -كما يعرفها الجميع- كان لأبناء العشائر والقبائل الدور الأساسي، لكن دخول شخصية مثل حماد من الطراز الذي يعرف ما الذي تعنيه عائلة الرفاعي في «تقاليد الحكم والدولة» سابقاً وحالياً على الخط الحرج في إنتاج حالة تظهر احتقاناً أو غضباً، مشهد يستوجب إعادة التحليل والتركيب.

على الحافة

تلك مواجهة تجاوزها إعلامياً الرفاعي، وترك الرد عليها للمؤسسة، التي يعتبر رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز من أبرز رموزها من سنين طويلة.
لكن مشهد العلاقة بين القبيلة والدولة بحلتها المستجدة على الحافة الآن، ليس فقط بسبب «حادثة حماد – غازي»؛ فنخبة من أبناء قبيلة بني صخر سبق أن سجلت أول الاعتراضات على «التعديلات الدستورية»، وما يصدر من أدبيات عن نشطاء وشباب قبيلة العجارمة في مسألة ابنهم المحكوم بالسجن أسامة عجارمة ينتمي لنفس عائلة «التصعيد» في الخيار الآخر، خلافاً لفعالية «جثمان الدستور» التي سجلت باسم نشطاء من قبيلة بني حسن، وسعي العديد من حراكات الأطراف والمحافظات لتنشيط الحراك أيضاً. جزئية حماد – الرفاعي تستحق التعمق والتأمل، وتعني الكثير من الدلالات.

قد يعجبك ايضا