باحثان إسرائيليان: العمليات الأخيرة تذكير بأن الصراع مع الفلسطينيين لا يقل خطورة عن النووي الإيراني

الشرق الأوسط نيوز : ينبه باحثان إسرائيليان في مقال مشترك نشره موقع القناة العبرية 12 أن مواجهة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هو تحد سياسي – أمني من الدرجة الأولى، لا يقل خطورة عن التهديدات الاستراتيجية، كالنووي الإيراني وتعاظُم قدرات الأعداء في المنطقة، ويدعوان لاستغلال التطبيع والتحرك الدولي لمواجهة العمليات الفلسطينية علاوة على حل مشاكل مستعصية لفلسطينيي الداخل.

ويقول عاموس يادلين – باحث عسكري ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، وأودي أفنطال – عسكري وباحث في معهد هرتزيليا لدراسات السياسات والاستراتيجيا، إن موجة العمليات القاتلة التي اجتاحت المدن الإسرائيلية في الشهر الماضي، التي بدأت من الجنوب، مرورا بالقدس، وصولا إلى مركز البلاد، جاءت في وقت لم تكن إسرائيل جاهزة، وبعد فترة من الهدوء النسبي.

وبرأيهما الحديث يدور عن التقاء عدة جبهات وعدة مناسبات حساسة، من شأنها تحويل هذه الموجة إلى “عاصفة ممتازة” لـ”الإرهاب” ويتابعان “هذه ساعة طوارئ، والمهمة الملقاة على الحكومة الإسرائيلية معقدة جدا، فيها تحديات كثيرة على المستوى العملياتي، والسياسي الداخلي والخارجي”.

لا توجد “ضربة وانتهينا”

ويشدد يادلين وأفنطال على أن موجة العمليات الفلسطينية هذه لا يوجد رد فوري عليها على نمط “ضربة وانتهينا” وأنه في مواجهة مشكلة مركبة كهذه، المطلوب حل مركب يمزج ما بين التفكير السياسي والعسكري، وخطوات دفاعية، وأُخرى هجومية، وعمليات جسدية، وأُخرى نظامية، وتغييرات في القوانين، وصراع على الرواية والسردية. ويقولان إن محاربة العمليات الاستشهادية في الانتفاضة الثانية استمرت أعواما، وشملت عملية “السور الواقي” لتفكيك “البنى التحتية للإرهاب” وبناء الجدار الفاصل بتكلفة مليارات، وعزل الرئيس الراحل ياسر عرفات سياسيا، بالإضافة إلى العديد من الخطوات الأُخرى.

وحسب يادلين وأفنطال فإنه يتوجب على الاحتلال في المستوى الآني تقوية خطوطه الدفاعية، في الأساس عبر نشر قوات إضافية من الشرطة والجيش، وإغلاق جدار الفصل، وبكلمات أُخرى، الفتحات الموجودة فيه لأنه من المهم وقف الموجة الحالية، ومنع وإحباط عملية إضافية لوقف الحالة التي بدأت والتوتر الموجود أصلا. أما على الصعيد السياسي فيقولان إنه من المهم دراسة كيفية فصل الجبهات، الواحدة عن الأُخرى، بهدف معالجة كل منها على حدة: “إرهاب مصدره عرب إسرائيل” المقربون من داعش؛ “إرهاب” من مناطق السلطة الفلسطينية؛ “إرهاب” من غزة وتحريض من تركيا حتى قطر. أما في المدى البعيد، فهناك حاجة إلى خطوات ممأسسة، تُضاف إلى الخطوات التي تم اتخاذها فعلا، لمعالجة جذر المشكلة الذي يسمح بخلق الأرض الخصبة للمنظمات الإرهابية”.

عمليات القدس

وفي رأيهما تعكس موجة عمليات الشهر الماضي حجم تركيب المشكلة: منفذو عمليات الطعن في القدس هم من حَمَلة الهويات الزرقاء في الشطر الشرقي منها فيما منفذو العمليات في بئر السبع والخضيرة مقربون من داعش، خرجوا من التجمعات البدوية في النقب ومن قلب المجتمع العربي في إسرائيل، في أم الفحم؛ أما منفذ العملية في بني براك، فهو فلسطيني من بلدة يعبد القريبة من جنين، “عاصمة الفدائيين” في الانتفاضة الثانية”.

ويضيفان “هؤلاء المنفذون تأثروا بأيديولوجيات متطرفة خرجت من مدرسة الدولة الإسلامية، الجناح الشمالي للحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح والجهاد الإسلامي و”حماس”، يريدون إشعال “المناطق” والقدس من دون توريط غزة في المواجهة. هذا بالإضافة إلى أن “حماس” وحزب الله لم يترددا في التهليل للمنفذين، على الرغم من انتمائهم إلى داعش – العدو اللدود بالنسبة إليهما، والذي نفذ عمليات كبيرة في مناطق الشيعة في بيروت، وأعلن الحرب على “حماس” في غزة.

المعضلة المركزية

ويعتقدان أنه في هذه الظروف الاستثنائية، يتوجب على الحكومة الإسرائيلية وأجهزة الأمن العمل في جو مشحون من التوترات والقيود: على الصعيد المباشر، كما في موجة العمليات الفدائية قبل 20 عاما، يتوجب على إسرائيل أخذ زمام المبادرة والقيام بعمليات استباقية مستندة إلى معلومات استخباراتية وقائية لإحباط العمليات والبنى التي تدفع بـ”الإرهاب”.

ويقولان إنه كما كان حينها، كذلك اليوم، على إسرائيل أيضا الاستناد إلى الجدار العازل ما بين “المناطق” (الفلسطينية) وإسرائيل. وينبهان بالقول إن هذا العائق الذي أرغم، حينها، كل مَن يريد تنفيذ عملية على الالتفاف حول القدس للدخول إلى إسرائيل، ومنح قوات الأمن وقتا من ذهب، هو الآن مخترَق في أكثر من مكان بشكل يسمح بالدخول إلى إسرائيل بسيارة، حتى في ضوء النهار. والمعضلة الأساسية التي ستكون أمام مُتخذي القرار الإسرائيلي برأيهما هي بين الرغبة في تهدئة الأمور من خلال منح حرية الصلاة والحفاظ على روتين العمل والحياة للفلسطينيين، وبين الحاجة الأمنية إلى فرض حظر تجول طويل على الفلسطينيين. وبالنسبة لهما أيضا فإن إطفاء “نار الإرهاب” في الضفة الغربية من خلال انتشار واسع للقوات هو أمر ضروري، لكنه في الوقت ذاته ينطوي على احتمالات اشتباك واحتكاك عالية جدا. كما يحذران بالقول إن هذا يجري في الوقت الذي تشكل العمليات الانتقامية التي يقوم بها المستوطنون تحديا إضافيا يجعل الأزمة أكثر تركيبا.

داخل الخط الأخضر

أما داخل الخط الأخضر، فالأمور بنظرهما هي أكثر تعقيدا وحساسية والمعضلة التي تواجهها الشرطة الإسرائيلية هي بين الحاجة إلى الانتشار بشكل أوسع في المدن، وبين الحاجة إلى علاج موضعي أكثر يحتاج هو الآخر إلى موارد كثيرة في “مناطق الإرهاب” وفي الكشف عنها وعن بناها.

ويقولان إن “غطاء” قوات الشرطة الإسرائيلية أقصر من أن يكون كافيا للتعامل مع هذه المهام جميعها في ذات الوقت، إلى جانب معالجة التحديات اليومية الكثيرة جدا، ومن ضمنها الإجرام المنظم في المجتمعين العربي واليهودي. ويضيفان “يبدو أن لا مناص من تعزيز الشرطة والتغيير في القوانين – خطوات من شأنها أن تغير إمكانيات الشرطة بصورة جذرية، إلى جانب قدرة استخباراتية أقوى بكثير من تلك الموجودة لديها اليوم”. ويعتقدان أنه على الجبهة السياسية، على حكومة الاحتلال العمل على تعزيز التنسيق والتعاون مع الجبهة الإقليمية: مقابل مصر بهدف احتواء غزة، ومقابل السلطة الفلسطينية والأردن بهدف إغلاق الحدود ومنع تهريب السلاح، وفي الأساس بهدف منع التصعيد في الضفة وغزة والأماكن المقدسة.

القضية الفلسطينية

وفي التلخيص يشيران بحذر لافت وباقتضاب وبالتلميح للقضية الفلسطينية المغيبة إلى أنه في السطر الأخير، عادت هذه الموجة من العمليات الفلسطينية لتوضح لمن احتاج إلى ذلك أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هو تحد سياسي – أمني من الدرجة الأولى، ولا يقل خطورة عن التهديدات الاستراتيجية، كالنووي الإيراني وتعاظُم قدرات الأعداء في المنطقة.

ويتابعان “هذا التحدي لن يختفي، حتى لو كانت في إسرائيل حكومة تحاول الحفاظ على الوضع القائم في الجبهة الفلسطينية. لا يوجد حل سحري للصراع الطويل مع الفلسطينيين، وصحيح أن إسرائيل لا تستطيع السماح لنفسها بالعودة إلى أيام انتشار الإرهاب في شوارعها ولذلك، خلال انعقاد مؤتمرات إقليمية مقبلة، يجب أن يكون هناك سياسات، ودبلوماسية، وقيادة، ومسؤولية من الدرجة الأولى”.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا