أهمِّيَّةُ القِيمِ الإنسَانيَّةِ في بناءِ الشَّبابِ العربيِّ

ميَّادة مهنَّا سليمان / سورية…. 

 

تتفاخرُ الدُّولُ، وتتنافسُ بنهضاتِها الاقتصاديَّةِ والعمرانيَّةِ والثَّقافيَّة والعِلميَّة، لكِنَّ أيَّةَ دولةٍ لم تفكِّرْ يومًا أنْ يكونَ مجالُ التَّنافُسِ بينَها وبينَ نظيراتِها مَن تكونُ السَّبَّاقةَ لِتُعِدَّ جيلًا واعيًا مثقَّفًا متجمِّلًا بالأخلاقِ الفاضلةِ الَّتي بِتنا نتحدَّثُ عنها، وعن القيمِ النَّبيلةِ مُستذكرينَ بِأسىً (المدينةَ الفاضِلةَ)، نادِبينَ الحالَ الَّذي وصلْنا إليهِ، متحسِّرينَ أنَّ جيلَ اليومِ لم يعدْ كالسَّابقِ خُلُقًا، وتنشِئةً، وثقافةً، وعِلمًا، مُتناسينَ أنَّنا في بعضِ الأحيانِ سببٌ لِما آلتْ حالُ الشَّبابِ إليهِ.

وممَّا لا شكَّ فيهِ أنَّ الدَّورَ الأوَّلَ في رفدِ الشَّبابِ بالقيمِ والأخلاقِ هو الأسرةُ، فالوالدانِ هما اللذانِ يُقرِّرانِ كيفَ سيكونُ عليهِ حالُ ابنِهما، أيغذِّيانِهِ بالمبادئِ، والتَّعاليمِ الدِّينيَّةِ الِّتي لمْ تكنْ يومًا إلَّا مُحفِّزةً على السُّلوكِ القويمِ، والمُثلِ العليا، والخِصالِ الحميدةِ، حتَّى قيلَ:
“إنَّ اللهَ جعلَ محاسنَ الأخلاقِ ومكارمَها وصلًا بينَنا وبينَه”
أيغرِسانِ فيهِ الإيمانَ باللهِ، وتجنُّبَ نواهيهِ، وامتثالَ أوامرِهِ، ويرشدانهِ إلى دربِ الهدى، أم يتركانهِ يعيشُ حياةَ الضًّالِّ سابحًا في الذُّنوبِ والمعاصي، غارقًا في بحرِ الرَّذيلةِ، والفسادِ؟

إن كان لا، بل يربِّيانهِ على التَّقوى، والفضيلةِ، فسينشأُ شابًّا يحملُ قلبًا نظيفًا مؤمنًا وعقلًا جميلًا راشدًا.
وإن كانَ لا، فبئسَ الأبوانِ، وبئسَ ما ارتكبا من إثمٍ!
وفي حالِ أنَّنا انتهينا من أمرِ تنشئةِ الطِّفلِ تنشئةً فيها القيمُ والفضيلةُ، سيكبرُ ويصبحُ فردًاتقعُ على عاتقِ مجتمعهِ مسؤوليَّةُ إكمالِ ما بدأَ بهِ الأهلُ، فهل نرى هذا الدًّورَ فعَّالًا في مجتمعاتِنا العربيًّةِ؟

هل أعدَدنا لهم قاعاتِ مطالعةٍ في مدارسِهم، فجعلناهم يحترمونَ ما يقرؤونَ، أم أثقلنا مناهجَهم بالحشوِ، والكتبِ السَّميكةِ، والكثيرةِ فأصابَهم رُهابُ الكتابِ؟
أرِني الآنَ مجتمعًا عربيًّا يُنهي طُلًّابُهُ الامتحاناتِ المدرسيَّةَ، ولا يخرجونَ فرِحينَ بتمزيقِ دفاتِرِهم، وكُتُبهِم، شاتمينَ معلِّميهم، ومعلِّماتِهم!
أنأمَلُ أيُّها القارئُ الكريمُ من جيلٍ كهذا، أن يحترمَ مكتبةً، أو عِلمًا أو ثقافةً؟

أرِني مجتمعًا عربيًّا لا ينغمسُ جيلُ الشَّبابِ فيهِ بوسائلِ التّّواصلِ الاجتماعيِّ، والألعابِ الإلكترونيًّةِ الًّتي ما صُمٍّمتْ إلَّا كي تُخرِّبَ عقولَ أبنائنا صغارًا وكبارًا، ورغم ذلك لا نريدُ أن نفتِّحَ أعيُنَنا على حقيقةِ أنَّ الغربَ يُعلِّمونَ أبناءَهم احترامَ الوقتِ، وتنظيمِهِ وملئِهِ بما ينفعُ ويُغني ويُثري العقلَ، في حينِ أنَّ شبابَنا يملؤونهُ بالمزاحِ واللعبِ والتّسليةِ والاجتماعِ في مقهىً هنا وهناك، والتَّحرُّشِ بالفتياتِ ومغازلتِهنَّ، والتَّفاخرِ بالتَّدخينِ والنَّرجيلةِ.

إذن حين يقول جلال عامر:
“الدَّولةُ تُهملُ الشَّبابَ، و تُحَوِّلُ الوطنَ إلى دارِ مُسنِّينَ.”
هوَ ليسَ مخطئًا، لأنَّ دوَلَنا لم تعوِّدْ نفسَها أن تكونَ حلقةَ وصلٍ بينَها وبينَ الأسرةِ، ولم تعوِّدْ جيلَ الشَّبابِ أن يكونَ يومًا قياديًّا، ومسؤولًا، بل عوَّدتهُ أن يكونَ تابعًا، ومأمورًا في كثيرٍ من الأحيانِ، وهنا أذكُرُ قولَ مصطفى محمود:
“إنْ لمْ يشتركِ الشَّبابُ في صنعِ الحياةِ، فهنالكَ آخرونَ سوفَ يُجبرونَهم على الحياةِ الَّتي يصنعونهَا.”
أخيرًا.. من وجهة نظري الشَّخصيَّةِ، أكثرُ عاملَينِ قويَّينِ في بناء جيلِ الشَّبابِ العربيِّ تربيةُ الأهلِ، وتسليحُ الابنِ بالأخلاقِ والعلمِ والمعرفةِ.
ومن ثمَّ يأتي دورُ مؤسَّساتِ الدَّولةِ في مواصلةِ ما بدأهُ الأهلُ بتهيئةِ مُناخٍ ثقافيٍّ، وعِلميٍّ، وإعدادِ مناهجَ مبسَّطةٍ تحفِّزُ الشَّبابَ، وخلقِ منافساتٍ بين الشُّبًّان أنفسِهم بطرقٍ عديدةٍ كالمسابقاتِ، والمهرجاناتِ، والحوافزِ، والتَّكريماتِ، وبذلكَ نجعلُ القيمَ والمُثلَ العُليا جزءًا من نسيجِ حياتِهم، وممرًّا لهم إلى دربٍ توصِلُ إلى الاستقلاليَّةِ، وحفظ الهويَّةِ وبالتَّالي النهوضِ بالمجتمعِ والأمَّةِ.

ميَّادة مهنَّا سليمان / سورية

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.