الحراك الدبلوماسي الإيراني بعد المصالحة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية خطوة في الإتجاه الصحيح

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات …. 

 

إتفاق المصالحة الذي قد تم بين البلدين الشقيقين برعاية الصين سيظل يمثل نقطة تحول مهمة ومحورية في كثير من ديناميكيات المنطقة العربية بصفة عامة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بصفة خاصة وتطوراتها، وهو ما ماكان قد دفع الجمهورية الإسلامية إلى تنشيط دبلوماسية الجوار والأستفادة من الإنفراج الإقليمي الحاصل الآن من جهة، والتواصل مع الغرب من جهة أخرى، على نحو يبين كيف أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تسعى حالياً إلى تحقيق ما كانت تصبو إليه من قبول إقليمي وأعتراف دولي، ودائماً ما تضمن الخطاب السياسي لصناع القرار في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أهدافاً وأفكاراً مرتبطة بمحاولات التأثير والهيمنة وممارسة النفوذ بالطرق الدبلوماسية وغير الدبلوماسية، خاصة وأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تبقى دائما تنظر إلى ذاتها كقوة إقليمية لديها قدرات مادية وغير مادية تسعى إلى توظيفها لتحقيق طموح الهيمنة والتأثير استناداً إلى إدراكها لماضيها وحاضرها، وبحسب العلوم السياسية، عند سعي أية قوة إقليمية إلى ممارسة الهيمنة والتأثير والنفوذ تواجهها عقبات أمام المشروع إلى جانب محفزات له، ويعد القبول الإقليمي والأعتراف الدولي بوضعية القوة الإقليمية أهم شروط ممارسة النفوذ والتأثير والهيمنة، خاصة وأن الهيمنة تتحقق في جزء منها من خلال ما تتمتع به الدولة من قبول وسط محيطها وعدم وصفها بالعزلة الإقليمية أو المنبوذ الإقليمي، وعلى المستوى الدولي فإن تلك الدولة تسعى إلى إعتراف القوى الكبرى بتأثيرها داخل محيطها الإقليمي، فضلاً عن السماح لها بالأندماج في المجتمع الدولي إقتصادياً وسياسياً، وكانت قد وقعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015 والمعروفة بالإتفاق النووية من أجل رفع العقوبات الدولية عنها والحصول على شرعية دولية بدخولها إتفاق دولي متعدد الأطراف، ولا تعد دولة منبوذة دولياً، أو ضمن ( محور الشر ) كما تم وصفها وتصنيفها من قبل الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن، أما القبول الإقليمي، فتحقيقه يعتمد على إستراتيجية تلك الدولة في محيطها وما إذا كانت تمثل مصدر تهديد لجيرانها، ولذا أدت سياسة إيران الإقليمية ومشروعها للهيمنة وحديثها عن نفوذها المتمدد إلى توتر العلاقات بينها وبين ومعظم دول المنطقة، لذا كان التصالح بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية يعد مهماً لتحقيق إنفراج إقليمي على مستوى عدد من الملفات الإقليمية ودفع الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى تفعيل دبلوماسية حسن الجوار والإنفتاح، فكانت دعوتها إلى إعادة العلاقات مع كل من مصر ودولة البحرين، والجمهورية الإسلامية الإيرانية وبقيادة الرئيس إبراهيم رئيسي وبتوجيه مباشر منه لعميد الدبلوماسية الإيرانية حسين عبد الأمير اللهيان تبقى تريد القبول الإقليمي لتعزيز شرعية نظامها داخلياً، لا سيما في ظل إهتزاز تلك الشرعية مع إحتجاجات ( الحجاب ) المدفوعة من قبل الغرب ومن ما تسمي نفسها بالمعارضة التي إمتدت لأشهر طويلة، أما على المستوى الدولي، فعلى رغم حالة الجمود التي أصابت الملف النووي والتي جعلت كثيراً من الدبلوماسيين الأوروبيين يعتبرون أنه مات ولا ينقص غير إعلان الولايات المتحدة الأميريكية، جاءت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أخيراً على لسان وزير خارجيتها عميد الدبلوماسية المنفتح جدأ لتكشف عن أن هناك رسائل غير مباشرة متبادلة مع الولايات المتحدة الأميريكية من أجل رفع العقوبات والتوصل إلى إجماع على المسودة الأولى، هذا وتنظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى هذا الأتفاق كوثيقة وخطوة أولى لرفع العقوبات عنها، أياً كانت نقاط الضعف والقوة في بنوده، فالأهم بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم هو إلغاء العقوبات الدولية الجائرة عليها، لذا فهي مصممة على مواصلة الجهود لعودة جميع الأطراف للألتزام بالأتفاق النووي، ويبقى الهدف الرئيسي للجمهورية الإسلاميه الإيرانية العودة للأتفاق لرفع العقوبات ولأستمرار التواصل والتفاهمات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت ذاته عملت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على حل القضايا العالقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ أن الوكالة أعلنت أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت قد أجابت عن وجود آثار جزيئات اليورانيوم المخصب بنسبة 83 في المئة، كما أعطت إجابات عن أحد المواقع حيث عثر على جزيئات يورانيوم فيه، مما يعني أنشطة نووية سابقة هناك، كما أنها أعادت تركيب كاميرات المراقبة على المنشآت النووية مع إستمرار عدم تسليم وحدات الذاكرة لحين التوصل إلى إتفاق، ومما سبق ذكره يمكن القول بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي اليوم تعمل على الإستفادة القصوى من سباق الإنفراج الإقليمي التي تشهده المنطقة لتعزز دبلوماسية الجوار وتكتسب شرعية إقليمية وداخل حدودها ولتستفيد إقتصادياً من التعاون مع دول المنطقة، كما تهدف من جهة أخرى رفع العقوبات وتعزيز إندماجها على المستوى الدولي أقتصادياً وسياسياً، حتى وإن كان هناك سؤال هو اليوم يطرح نفسه وبقوة وهو : هل ستقدم الجمهورية الإسلامية الإيرانية تطمينات عبر تغيير السلوك الإقليمي لتستمر في الحصول على تلك المكاسب، لتعي أن الإستقرار ليس مباراة صفرية يكسب طرف ويخسر الجميع، بل يجب تحقيق المكاسب لجميع الأطراف، ويعتبر اللقاء التاريخي والهام الذي جمع بين سلطان عمان والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية المحطة الأبرز ولعلها الأساس في هذه الزيارة التاريخية لما لها من أنعكاسات مفترضة على أوضاع المنطقة والعلاقة بين إيران وجوارها العربي، إضافة إلى ما يمكن أن تسفر عنه في ما يتعلق بمسار التفاوض بين طهران وعواصم “الترويكا” الأوروبية والولايات المتحدة حول أزمة الملف النووي ومساعي إحياء الإتفاق النووي بصيغة وآلية جديدة ربما تختلف عن الإتفاق السابق الموقع عام 2015، وقد تتجاوز مفهوم الأتفاق الموقت الذي سعت هذه العواصم إلى تمريره في المرحلة السابقة، فهذه الزيارة التي أنتظرتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بكل قياداتها منذ مطلع العام الحالي، بخاصة بعد الزيارة المفصلية التي قام بها وزير خارجيتها أواخر شهر ديسمبر 2022، وكشف فيها عن تفويض إيراني للسلطان العماني بإعتماد الرؤية أو الصيغة التي يجدها مناسبة من أجل إعادة إحياء المفاوضات حول الإتفاق النووي، تأخذ هذه المرة بعداً آخر إلى جانب البعد النووي وما يمكن أن يكون في جعبة الضيف العماني الكبير من تصورات وحلول وآليات قد تتكشف في المرحلة المقبلة التي يبدو أنها ليست بعيدة، وما يمكن التوقف عنده هو البعد الجديد في السياسة الإيرانية ذات الطبيعة الإقليمية وما يتعلق بالمسار الذي بدأته الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالأنفتاح على دول الجوار العربي والذي توج وشكّل مفتاح الأنطلاق بالأتفاق الموقع بين المملكة العربية السعودية و الجمهورية الإسلامية الإيرانية برعاية الصين، وما أسهم فيه من خلق تحول أو ( متحول ) في المنطقة وأزماتها ونقلها إلى مرحلة جديدة تقوم على أساس حسن الجوار وتوسيع مساحات التفاهم والحوار والبحث عن المصالح الوطنية والإستراتيجية، وكانت هذه الزيارة التاريخيه تتعلق بإعادة تطبيع العلاقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية مصر العربية، لدخول الجمهورية الإسلامية الإيرانية مرحلة جديدة مختلفة تساعدها على إعادة بناء هذه العلاقة وإيصالها إلى النتائج الإيجابية بعد محاولات فاشلة أو جهود أفشلت في السابق نتيجة الصراعات الداخلية، بخاصة في اللحظة التي شعر فيها التيار المحافظ المتشدد بإمكانية حصول أختراق في جدار هذه العلاقة في زمن رئاسة الرئيس الأسبق محمد خاتمي واللقاء التاريخي الذي جمعه مع الرئيس المصري حسني مبارك في 10/12/2003على هامش قمة المعلوماتية في مدينة جنيف، إلا أن الأهم في موقف المرشد الأعلى خامنئي الإشارة التي أكد عليها في كلامه حول مصر على النتائج الإيجابية للأتفاق مع المملكة العربية السعودية، مما يكشف أن القيادة الإيرانية الحالية أدركت بالفعل وبالحقيقة أن أي إنفتاح على الدول العربية لن يكون ممكناً وقابلاً للأستمرار والبقاء ما لم يكن آتياً عبر البوابة السعودية، فالمحاولات الإيرانية للأنفتاح على مصر وقياداتها، في كثير من المراحل واللحظات التاريخية في أزمات المنطقة، بخاصة ما يتعلق بأزمة قطاع غزة وحروبه المتكررة مع إسرائيل، لم تتجاوز اللقاءات البروتوكولية ولم تؤسس لخرق حقيقي في جدار القطيعة القائم بينهما منذ عام 1980، فلا زيارة رئيس البرلمان الأسبق علي لاريجاني في 2009 واللقاء مع الرئيس حسني مبارك نقل العلاقة إلى مستويات جديدة، ولا الأندفاعة التي قام بها الرئيس محمود أحمدي نجاد على رغم إسلامية السلطة المصرية آنذاك، أستطاعت تغيير الموقف المصري الذي بقيت الدولة العميقة تربطه بموقف الرياض من أي متغير إستراتيجي على مستوى الإقليم، هذا الإدراك لحجم الدور والموقع السعودي في المعادلات الإقليمية والعربية لمسته القيادة الإيرانية من نتائج الأتفاق الذي وقعته مع الرياض، وأدركت أيضاً أن المدخل لأي حلول إقليمية أو إعتماد سياسة إنفتاح على الدول العربية لا بد من أن يمر عبر الرياض وموقفها ورؤيتها للمصلحة الوطنية والعربية، وهو ممر كان إلزامياً وتعززت أهميته في التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة سواء في ما يتعلق بالعلاقات العربية – العربية، أو العربية – الإقليمية والدولية، ويبقى الموقف الإيجابي الذي أعلنه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، والرغبة الإيرانية للقيادة الحالية في إعادة العلاقات مع مصر، من المفترض أن يتحولا إلى مسار سياسي ملزم للدولة الإيرانية، بخاصة من خلال الإشارة التي تحدث فيها عن جهود ودور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي لعبه في تطبيع العلاقة وإعادتها مع السعودية، وهذا الموقف من المرشد يعني أو يكشف عن أن إدارة ملف العلاقات الإقليمية للدولة الإيرانية أتخذت مساراً مختلفاً في هذه المرحلة بانتقاله من المجلس الأعلى للأمن القومي إلى وزارة الخارجية ودوائر الدبلوماسية الرسمية للدولة، بخاصة بعد إخراج علي شمخاني من موقع الأمين العام لهذا المجلس بعد تحقيقه للإنجاز التاريخي في الإتفاق مع المملكة العربية السعودية وبعده مع الإمارات العربية المتحدة والعراق، هذا الإنتقال في إدارة الملفات الدبلوماسية وسياسة الإنفتاح على المحيط العربي، وأيضاً على المجتمع الدولي، الذي من المفترض أن يأخذ مساراً تصاعدياً في حال العودة لطاولة التفاوض مع واشنطن و”الترويكا” الأوروبية حول أزمة الملف النووي، لن تكون بعيدة من مراقبة وإشراف المرشد الأعلى، على رغم إمكان القول بالإنتصار الذي حققه الرئيس إبراهيم رئيسي في معركة إستعادة صلاحيات الحكومة والسلطة التنفيذية ألتي يرأسها من المجلس الأعلى للأمن القومي، واستمرار إشراف المرشد الأعلى ورعايته المباشرة لهذه المسارات، مما يهدف إلى منع دخول أو وضع العراقيل في طريق الوصول إلى أهداف هذا الإنفتاح، بالتالي منع الحكومة من الوقوع تحت ضغوط ( المتشددين الرافضين ) لهذا المسار وحماية هذا التوجه من أي إنتكاسة قد تعترضه.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
عمان / الخميس/ 1/6/2023

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.