لا تُراوحْ في مكَانِكَ
ميَّادة مهنَّا سليمان ….
يقولون: لا تؤجّلْ عملَ اليومِ إلى الغدِ، حكمةٌ جميلةٌ لطالما عمِلنا بها، وامتدحناها، ولكنْ من الحُمقِ أن نأخذَ بها دومًا؛ فَرُبَّ تأجيلٍ يكونُ فيهِ الخيرُ، ورُبَّ إنجازٍ يكونُ في غيرِ محلِّهِ، لذلكَ من الخطأِ الكبيرِ أنْ يهجمَ المرءُ هجمةً واحدةً لتحقيقِ طموحاتِهِ، ومن الغباءِ أنْ يصعدَ السُّلَّمَ كلَّ ثلاثِ درجاتٍ معًا!
وللأسفِ هناكَ كثيرونَ يفعلونَ ذلكَ، فتأتي النّتيجةُ: لا شيءَ، لا إنجازَ!
لذلكَ أقولُ وأنصحُ بمحبَّةٍ الكُتَّابَ، ومن تجربةٍ شخصيَّةٍ:
إنجازُ ربعِ العملِ بإتقانٍ وبوقتٍ طويلٍ، خيرٌ من إنجازِهِ كاملًا بعشوائيَّةٍ، وبوقتٍ قصيرّ.
والنَّصيحةُ الأخرى الَّتي أغتنمُ فرصةَ قولِها في هذا المقالِ أيضًا للكُتَّابِ:
أرجو منكم تقديرَ ذواتِكم، واحترامَ أوقاتِكم، وعدمَ المشاركةِ في مسابقاتِ المجموعاتِ الأدبيّةِ والّتي – للأسف- مازالَ بعضُ الكُتّابِ ” يفرحونَ كالأولاد” إنْ حصلوا على شهادةِ تكريمٍ منها.
ففي هذهِ المسابقاتُ العددُ محدودٌ، وقد لا يتجاوزُ المئةَ، أمَّا في المسابقاتِ العربيَّةِ الّتي تمنحُ جوائزَ، تكونُ الأعدادُ بالمئاتِ، وقد تصلُ إلى الآلافِ “كجائزةِ كتارا” مثلًا.
وهنا تثبتُ وجودَك، وتميُّزَ أحرفِك، وأيّ وصولٍ تحقّقهُ سواءٌ إلى القائمةِ الطّويلةِ
أو القصيرةِ، هو “فوزٌ صغيرٌ” بإمكانكَ أن تضيفَه إلى سيرتِك الذّاتيّةِ، فتكتبَ مثلًا:
وصلَتْ قصّتي إلى القائمةِ الطَّويلةِ في جائزةِ كذا..
وصلتْ قصيدتي إلى القائمةِ القصيرةِ
في جائزةِ كذا..
حصلت مسرحيّتي على تنويه لجنة تحكيم جائزة كذا..
لكن لا يمكنُك أن تكتبَ في سيرتكَ الذّاتيّةِ
سوى( فزتُ في العديدِ من مسابقاتِ المجموعاتِ الأدبيَّةِ)، فمنَ المُضحكِ أن تكتبَ: فزتُ بمجموعةِ (أقلام واعدة)
ومجموعةِ (إبداع) مثلًا، ومجموعة كذا وكذا..
أقولُ وبصدقٍ:
كانتْ تلكَ المجموعاتُ الأدبيّةُ انطلاقةً جميلةً لي، ففيها تعلّمتُ أجناسًا أدبيّةً جديدةً:
كالهايكو، والومضة، والقصّة القصيرة جدًّا، والمجزوءة، والمتلازمة..
وأثبتُّ وجودي من خلالِ الفوزِ المستمرِّ، ثمّ أعلنتُ في منشورٍ أنّني لن أشاركَ في تلك المسابقات، لأنّها لم تعدْ تضيفُ لي شيئًا طالما أنّني أفوزُ دومًا.
وحكَّمتُ في الكثيرِ من المجموعاتِ لاحقًا، وأعلنتُ بأنّني لن أحكّمَ بعدها لأنّني أضيّع وقتي، وأعمل مجّانًا.
فهل يُعقلُ أن يبقى كاتبٌ لسنواتٍ يراوحُ في مكانهِ، وينافسُ من أجلِ الحصولِ على شهادةِ تكريمٍ فيسبوكيّةٍ، سواءٌ في المسابقاتِ أو في التّحكيمِ؟
أينَ الطّموحُ، وأينَ النّضجُ، والوعيُ؟
صديقي الكاتب:
لا تكُن (عددًا) يحتفي به مدراءُ المجموعاتِ الّذين يقيمونَ المسابقاتِ فقط من أجلِ زيادةِ أعدادِ أعضاءِ مجموعاتِهم، وآخرُ همِّهم فوزُك، أو خسارتُك.
وعلى سيرةِ المسابقاتِ أذكرُ أمرًا مضحكًا حدثَ معي:
إحدى صديقاتِ الصّفحةِ اعتذرَت منّي، وطلبَت ألّا أنزعجَ، وغادرَت مجموعتي لأنّني لا أقيمُ مسابقات، ولا أمنحُ شهاداتِ تكريمٍ!
فقلتُ لها:
أوّلًا: من أنشأ المجموعةَ صديقةٌ مُحبّةٌ لي، ومعجبةٌ جدًّا بإبداعي.
ولا يُزعجني مغادرةُ أحدٍ، لأنَّهُ لا يهمّني العددُ، قدْرَ ما يهمّني مَن هوَ مُحبٌّ لي، وموجودٌ في كلِّ مكانٍ أنشرُ فيهِ.
ثانيًا: لا يمكنُ أن أكونَ ممّن يخدعُ الكُتّابَ، أو أعضاءَ المجموعةِ بشهاداتٍ، وتكريماتٍ خُلَّبيَّةٍ، وألقابٍ عجيبةٍ غريبةٍ.
وللأسفِ الشّعبُ العربيُّ يُحبُّ مَن يضحكُ عليه، ويُخدّرهُ بالأوهامِ، ويمنّيهِ بالأكاذيبِ.
لذلك أوجّهُ نُصحي بمحبّةٍ، وأخوّةٍ للجميعِ،
وبالمناسبةِ حينَ رأيتُ رابطَ منشورِ جائزةِ علاءِ الجابرِ في شهرِ آذارَ، أرسلتُ الرّابطَ لسبعةِ كتّابٍ سوريّينَ متميّزينَ، ليشاركوا معي، ولم أقلْ لنفسي:
قد يفوزُ أحدُهم، ولا أفوزُ أنا!
لأنّني منذُ سنواتٍ كنتُ، ومازلتُ أؤمنُ أنّ فوزَ أيِّ كاتبٍ سوريٍّ موهوبٍ، هو فوزٌ لسوريةَ الحبيبةَ.
اعمَلوا بجدٍّ، وكونوا أنتُم باستقلاليّتِكم، وارفضوا كُلَّ مَن يستغلّكُم، ويخدعكُم.
غيِّروا خُططَكم الأدبيّةَ، فمِن غيرِ المنطقيِّ أبدًا السَّيرُ على نهجٍ واحدٍ لسنواتٍ طويلةٍ برتابةٍ، وتكرارٍ، وعدمِ جدوى.
أنتَ كاتبٌ تتكلّفُ الكثيرَ من أجلِ طباعةِ مؤلّفاتِك، إذنْ اسعَ إلى مسابقاتِ الجوائزِ، لا إلى مسابقاتِ التّكريماتِ، وربّما إذا حقّقت فوزًا متكرّرًا في مجالٍ أدبيٍّ ما، تصبحُ لاحقًا عضوَ لجنةِ تحكيمٍ بأجرٍ بدلًا من إضاعةِ وقتِكَ مع مدير مجموعةٍ يراكَ صيدًا ثمينًا، وإذا ما اعتذرتَ فيما بعدُ عن التّحكيمِ عندَه، أخذَ موقفًا منكَ، وعاداكَ.
ختامًا:
أرجو التّوفيقَ للجميع، سواءٌ لمَن سيأخذُ بالنّصيحةِ، أم لمَن سيقولُ لاحقًا:
كانتِ النّصيحةُ بجمَلٍ، وما سمعتُ مِن ميَّادة!
ميَّادة مهنَّا سليمان