معاريف: هل ينتظر الفلسطينيون “المعتدلون” دحلان لمرحلة ما بعد الحرب؟
العقيد احتياط دافيد حاخام ….
تكشف المتابعة الجارية والمتواصلة لما يجري في الساحة الفلسطينية الداخلية في السنوات الأخيرة أن الشباب، أبناء الجيل الوسط، باتوا عنصراً مهماً وذا نفوذ على تصميم صورة الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية كعنصر ذي إمكانية كامنة لإحداث تغيير فيها.
يسعى الجيل الثاني لتأدية دور رائد، نشط وذي مغزى في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وتثبيت الأمن والاستقرار في ظل تحقيق التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني، وذلك من خلال تغيير القيادة الفلسطينية الحالية، القديمة وكبيرة السن غير القادرة على التصدي للتحديات الجسيمة والمعقدة التي يقفون أمامها، والعمل على تحقيق المصالح الوطنية من خلال علاقات تنسيق وتعاون مع الساحة العربية والأسرة الدولية.
على أماني ومصاعب وتوقعات الجيل الثاني في المجتمع الفلسطيني اليوم، تعرفت من خلال سلسلة طويلة من اللقاءات التي أجريتها مؤخراً مع شبان فلسطينيين متعلمين، يتحدثون الإنجليزية بطلاقة معظمهم من الوسط المديني، بعضهم من مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، كلهم من مواليد أوائل الثمانينيات في القرن الماضي. وقد عرضوا فكرهم السياسي – الأيديولوجي بشكل مباشر، مقنع وذكي.
تنامى وعيهم السياسي في التسعينيات، عندما كانت المفاوضات السياسية تجري بين إسرائيل وم.ت.ف في إطار مسيرة أوسلو. ويمثلون جيلاً فلسطينياً يتميز بتفكير نشط وعملي. القسم الأكبر منهم نشطاء في حركة فتح، أكبر المنظمات العاملة تحت مظلة م.ت.ف. وآخرون ممن ليسوا ذوي انتماء تنظيمي محدد، يعرفون أنفسهم كأصحاب آراء مستقلة.
قسم كبير بين هؤلاء الشبان، الذي لا يتميز بنهج قومي ومتطرف معني بالتقدم نحو تسوية سياسية مع إسرائيل ويؤمن بأن الطريق الأفضل هو من خلال إنهاء النزاع وليس إدارته. يتطلع الجيل الثاني لوضع حد لمظاهر العنف والإرهاب ولضمان وجود دولة فلسطينية مستقلة وسيادية تعيش بسلام وجيرة طيبة إلى جانب إسرائيل من خلال المفاوضات والتسوية.
الفلسطينيون المشاركون في أعمال الإرهاب والمقاومة التي تنفذ ضد أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية هم أصغر عمراً من أبناء 18 – 25 سنة؛ فقد ولدوا وتربوا في واقع الأزمة والمواجهة في علاقات إسرائيل مع الفلسطينيين. في هذه الظروف من المأزق في المجال السياسي، أصبح التجنيد لمنظمات الإرهاب الفلسطينية بالنسبة للجيل الشاب خياراً شبه اضطراري وواجباً في الطريق إلى تحقيق الأهداف السياسية الفلسطينية في النزاع مع إسرائيل.
ومقابل هؤلاء، يؤيد الجيل الثاني تقدم المسيرة السياسية مع إسرائيل، ويعتقدون بأن التطبيع بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية يجب أن يكون نتيجة مفاوضات وتسوية سياسية مع إسرائيل وليس قبلها. في نظرهم، يجب أن يكون حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني مقدمة ضرورية قبل إقامة علاقات دبلوماسية وغيرها بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية.
يرفع الجيل الثاني عينيه إلى شخصية مركزية، وهو محمد دحلان، مسؤول فتح سابقاً. دحلان معروف كناشط في حركة الشبيبة من فتح، من سنوات خدمتي على رأس الدائرة العربية في الحكم الإسرائيلي في قطاع غزة في الثمانينيات. وأُبعد من غزة في كانون الثاني 1987، قبل نحو سنة من اندلاع الانتفاضة الأولى. وعاد إلى القطاع بعد التوقيع على اتفاق غزة وأريحا أولاً في أيار 1994، بين إسرائيل وم.ت.ف في إطار مسيرة أوسلو. في عودته إلى غزة، عينه ياسر عرفات رئيساً لجهاز الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية. في سنوات عمله في منصبه هذا، زرته في قيادة الأمن الوقائي في غزة والتقيت به بضع مرات في إطار المفاوضات التي جرت بين إسرائيل وم.ت.ف.
الجيل الثاني الفلسطيني يقدر دحلان كصاحب كفاءات لزعيم طبيعي وشعبي كمن تميز بشخصية قوية وسلطوية وغني التجربة في المجال السياسي والأمني. والتوقع أن يسمح وجوده في موقع القيادة في المستقبل لهذا الجيل بأن يشارك ويؤدي دوراً رائداً ومؤثراً في إطار حركة فتح والسلطة الفلسطينية وم.ت.ف، وذلك حين يعدّ دحلان ذا قدرة على التصدي للتحديات التي تواجه الساحة الفلسطينية ويدفع قدماً بالجيل الشاب إلى واقع السيطرة والنفوذ.
كما أن دحلان قد يؤدي دوراً مهماً ومركزياً في جهود إعادة تثبيت الاستقرار والأمن في قطاع غزة في عصر ما بعد الحرب. دحلان، ابن المكان، ولد في أيلول 1961 في مخيم اللاجئين في خان يونس، ابن عائلة لاجئين من قرية حمامة قرب عسقلان. ويحظى بتأييد ليس فقط في الساحة الفلسطينية، بل أيضاً في الساحة العربية، وبخاصة مصر ودول الخليج وكذا في أوساط دوائر في الأسرة الدولية.
غير أن غياب دحلان عن الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ العام 2011 حيث اضطر للسكن والعمل في الإمارات العربية بسبب نزاع حاد مع رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، ربما يحدث عائقاً عالياً وغير قابل للعبور في طريقه لإيجاده مكاناً في الصف الأول من القيادة في المستقبل.
الجيل الثاني لا يزال يعتبر أبو مازن كزعيم عظيم الحقوق، ذا تجربة سياسية – دبلوماسية غنية، ساعد في تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية في الساحة الإقليمية والدولية. ويعد شخصية معتدلة، ذا نهج براغماتي، وجد تعبيره في التزامه المعلن بالسلام مع إسرائيل القائم على أساس تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية. هذا التقدير يزداد في الظروف الحالية، على خلفية التأثير السلبي الذي يشكله صعود حماس كعنصر رائد وذي تأثير في الساحة الفلسطينية.
العقيد احتياط دافيد حاخام
معاريف 13/8/2024
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.