*فادي السمردلي يكتب: الولاء والتبعية الخارجية للاحزاب (٣٦/٦)*

*بقلم فادي زواد السمردلي*  …..

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب(٣٦/٦)”*

ماذا يعني الولاء والتبعية الخارجية للاحزاب؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️

التبعية الخارجية للأحزاب السياسية تُعَدّ من أخطر الظواهر التي تهدد استقرار الدول واستقلال قراراتها، حيث يتحول الحزب من كيان يعبر عن إرادة الشعب ويسعى لتحقيق مصالحه، إلى أداة تنفذ أجندات خارجية مقابل الدعم المالي أو السياسي فعندما تعتمد الأحزاب على قوى خارجية، فإنها تفقد استقلالها السياسي والإيديولوجي، وتصبح رهينة لإملاءات الجهات الداعمة لها،مما يجعلها غير قادرة على اتخاذ قرارات وطنية حرة تخدم المصلحة العامة وفي هذه الحالة، لا يكون الحزب ممثلًا للناخبين، بل يصبح وسيطًا لنقل مصالح الدول أو المنظمات الأجنبية إلى داخل البلاد، مما ينعكس سلبًا على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فبدلًا من أن تسهم هذه الأحزاب في ترسيخ الديمقراطية والتعددية السياسية، تتحول إلى أدوات لضرب المنافسين الداخليين، وزعزعة الاستقرار، وإضعاف الدولة لصالح القوى الخارجية التي تتحكم بها.

إن مظاهر التبعية الخارجية متعددة، وأبرزها تلقي الأحزاب تمويلًا مباشرًا من دول أو منظمات أجنبية، حيث تستخدم هذه الأموال في الحملات الانتخابية، أو في دعم أنشطتها الإعلامية والترويجية، أو حتى في شراء الولاءات السياسية داخل الدولة وهذا النوع من التمويل يجعل الحزب غير قادر على اتخاذ أي موقف سياسي يتعارض مع مصالح الجهة الممولة، لأنه سيكون مهددًا بفقدان الدعم الذي يعتمد عليه للبقاء وإضافة إلى التمويل، تتجلى التبعية أيضًا في تبني سياسات لا تخدم المصلحة الوطنية، بل تصبّ في مصلحة القوى الأجنبية التي تسعى للسيطرة على مقدرات الدولة فقد يدافع الحزب عن اتفاقيات اقتصادية غير عادلة، أو يروج لسياسات تخدم الشركات الأجنبية على حساب الاقتصاد المحلي، أو يدعم مواقف دبلوماسية تتماشى مع رؤية القوى الخارجية التي تموله، حتى وإن كانت هذه السياسات تضر بالسيادة الوطنية.

ومن أخطر أشكال التبعية هو لجوء بعض الأحزاب إلى التحالف مع جهات خارجية لضرب منافسيها السياسيين داخل البلاد إذ قد تستعين بدول أو منظمات خارجية للحصول على دعم سياسي أو إعلامي، بهدف إقصاء الأحزاب المنافسة أو تشويه صورتها أمام الرأي العام فهذا النوع من السلوك يساهم في تحويل الساحة السياسية إلى ميدان صراع تتحكم به الأجندات الخارجية، بدلًا من أن تكون عملية ديمقراطية صحية قائمة على التنافس الحر لخدمة المواطنين وعندما تتورط الأحزاب في مثل هذه التحالفات، فإنها تؤدي دورًا مدمرًا داخل الدولة، حيث تساهم في تأجيج الصراعات الداخلية، وإثارة النزاعات العرقية أو الطائفية، أو تعطيل أي مبادرات وطنية تهدف إلى تحقيق التنمية والاستقرار ومع مرور الوقت، تتحول هذه الأحزاب إلى أدوات لتمزيق وحدة المجتمع، وزعزعة الاستقرار، وإضعاف مؤسسات الدولة، مما يجعل البلاد بيئة خصبة للتدخلات الخارجية التي تستغل الانقسامات السياسية لتحقيق مصالحها.

أما على مستوى الدولة، فإن انتشار الأحزاب التابعة للخارج يؤدي إلى إضعاف السيادة الوطنية، حيث تصبح القرارات السياسية والاقتصادية خاضعة لضغوط الدول الأجنبية التي تتحكم بهذه الأحزاب وفي بعض الحالات، قد تجد الدولة نفسها عاجزة عن اتخاذ قرارات مستقلة، لأن بعض القوى السياسية التي تشكل الحكومة تكون مرتبطة بأجندات خارجية تجعلها غير قادرة على تبني سياسات وطنية بحتة وهذا الواقع يضر بمصالح المواطنين، حيث يتم اتخاذ قرارات لا تراعي احتياجاتهم الفعلية، بل تخدم مصالح الجهات الخارجية، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة الفجوة بين السلطة والشعب كما أن التبعية الخارجية تؤثر على السياسة الخارجية للدولة، حيث تضطر الحكومة إلى تبني مواقف تتماشى مع توجهات القوى التي تدعم الأحزاب المرتبطة بها، حتى لو كانت هذه المواقف تتعارض مع المصلحة الوطنية أو مع علاقات الدولة مع محيطها الإقليمي والدولي.

من جهة أخرى، فإن التبعية الخارجية تؤثر بشكل كبير على ثقة المواطنين في العملية السياسية، حيث يدرك الشعب مع مرور الوقت أن بعض الأحزاب لا تعمل من أجلهم، بل تنفذ أوامر خارجية وهذا الوعي يؤدي إلى تزايد السخط الشعبي تجاه هذه الأحزاب، ويدفع المواطنين إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات، أو البحث عن بدائل سياسية جديدة مما قد يؤدي إلى انهيار الأحزاب التابعة للخارج على المدى البعيد كما أن الرفض الشعبي لهذه الأحزاب قد يتحول إلى حراك شعبي واسع يطالب بمحاسبتها، وفرض رقابة صارمة على مصادر تمويلها، ومنع أي تأثير أجنبي على العملية السياسية.

لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة إن وجدت، يجب اتخاذ عدة تدابير حاسمة لضمان استقلالية الأحزاب السياسية وحماية السيادة الوطنية وفي مقدمة هذه التدابير، يجب وضع قوانين صارمة تمنع تلقي الأحزاب أي تمويل خارجي، مع فرض شفافية تامة على مصادر تمويلها لضمان عدم اختراقها من قبل جهات أجنبية كما يجب تعزيز دور مؤسسات الدولة في مراقبة النشاطات السياسية للأحزاب، والتأكد من أن قراراتها وسياساتها تنبع من المصلحة الوطنية، وليس من توجيهات خارجية وإضافة إلى ذلك، يجب رفع مستوى الوعي المجتمعي حول مخاطر التبعية الخارجية، وتشجيع المواطنين على دعم الأحزاب الوطنيه والمستقلة التي تعمل بصدق من أجل مصلحة الوطن كما أن الإعلام الوطني يجب أن يلعب دورًا مهمًا في كشف أي محاولات لاختراق الأحزاب سياسيًا أو ماليًا من قبل قوى خارجية، وتحذير المواطنين من مخاطر دعم الأحزاب التي ترتبط بأجندات أجنبية.

في النهاية، لا يمكن بناء دولة قوية ومستقلة إلا بوجود أحزاب سياسية وطنية تمتلك قرارها السيادي، وتعمل من أجل خدمة شعبها بدلًا من تنفيذ أوامر خارجية فإذا لم يتم التصدي لظاهرة التبعية الخارجية، فإن الدول ستجد نفسها في حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، حيث تتحكم القوى الأجنبية في قراراتها عبر الأحزاب التي تدعمها لذلك، فإن الحفاظ على استقلالية القرار السياسي للأحزاب هو مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع، بدءًا من الدولة التي يجب أن تضع الأطر القانونية لحماية الحياة السياسية من التدخلات الخارجية، وصولًا إلى المواطنين الذين يجب أن يكونوا واعين بمخاطر دعم أي حزب يعمل لخدمة مصالح خارجية بدلًا من المصلحة الوطنية.

قد يعجبك ايضا