*فادي السمردلي يكتب: انفصال الحزب عن هموم الشعب ومشاكله(٣٦/١٠)*
*بقلم فادي زواد السمردلي* …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب.(٣٦/١٠)”*
ماذا يعني انفصال الحزب عن هموم الشعب ومشاكله؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️
يعد انفصال الحزب عن هموم الشعب ومشاكله أحد العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى تآكل شرعيته وفقدانه لدعمه الجماهيري، وهو ظاهرة خطيرة تؤثر على استقرار النظام السياسي برمته ففي الأنظمة الديمقراطية، تقوم الأحزاب السياسية بدور الوسيط بين الدولة والمجتمع، إذ تعبر عن تطلعات المواطنين وتسعى إلى تحقيق مصالحهم من خلال المشاركة في اتخاذ القرار أو عبر الضغط السياسي والتشريعي ولكن عندما يصبح الحزب منشغلاً بصراعاته الداخلية ومصالح قياداته أكثر من اهتمامه بالقضايا الوطنية، يبدأ في فقدان وظيفته الأساسية ويتحول إلى كيان منعزل عن الواقع ويظهر هذا الانفصال من خلال عدة مظاهر، أبرزها تركيز الحزب على تعزيز نفوذ بعض الشخصيات داخل صفوفه بدلًا من تقديم برامج تخدم المجتمع، مما يؤدي إلى انتشار المحسوبية والفساد داخل التنظيم الحزبي ذاته كما أن تبني الحزب لسياسات تخدم فئات ضيقة من النخب السياسية أو الاقتصادية، دون مراعاة احتياجات الطبقات الوسطى والفقيرة، يوسع الهوة بينه وبين المواطنين العاديين الذين يفترض أنه يمثلهم.
ومن أخطر المظاهر التي تؤكد هذا الانفصال غياب التواصل الحقيقي مع المواطنين، حيث يكتفي الحزب بحملات إعلامية وشعارات دعائية دون بناء قنوات فعالة للاستماع إلى مشاكل المجتمع وإيجاد حلول واقعية لها فبدلًا من النزول إلى الشارع والاستماع إلى المواطنين بشكل مباشر، قد يلجأ الحزب إلى وسائل الإعلام الرسمية أو وسائل التواصل الاجتماعي لنقل صورة زائفة عن قربه من الشعب، بينما في الحقيقة يكون بعيدًا عن القضايا الحقيقية التي تؤرق المواطنين مثل البطالة، التضخم، ارتفاع الأسعار، سوء الخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. وفي ظل هذا التجاهل المتعمد أو غير الواعي، يشعر المواطنون بعدم جدوى العمل السياسي، حيث يفقدون الثقة في الأحزاب وفي قدرتها على تحقيق أي تغيير إيجابي في حياتهم.
إن استمرار هذا الانفصال يؤدي إلى نتائج خطيرة على الصعيدين السياسي والاجتماعي، حيث يبدأ الحزب في فقدان شعبيته شيئًا فشيئًا، ويتراجع حضوره في المشهد السياسي نتيجة عزوف المواطنين عن دعمه في الانتخابات أو المشاركة في أنشطته ومع تزايد الإحباط الشعبي، يتصاعد الشعور بعدم جدوى الانخراط في العملية السياسية، وهو ما ينعكس في ضعف الإقبال على الانتخابات والاستفتاءات، وفي بعض الحالات، قد يتجاوز الغضب الشعبي حدود العزوف السياسي ليأخذ أشكالًا أكثر حدة، مثل الاحتجاجات والمظاهرات التي قد تتطور إلى اضطرابات سياسية واسعة تطالب بتغيير جذري في المشهد الحزبي وعندما يفقد الحزب مصداقيته لدى الشعب، يصبح من السهل أن يتم استبداله بحركات سياسية جديدة قد تستغل حالة السخط العام، سواء كانت هذه الحركات إصلاحية أم شعبوية، مما قد يؤدي إلى تغييرات مفاجئة في موازين القوى داخل الدولة.
ولذلك، فإن أي حزب سياسي يسعى إلى البقاء والاستمرار في المشهد السياسي يجب أن يتجنب الوقوع في فخ العزلة عن هموم المواطنين، وأن يدرك أن شرعيته لا تأتي فقط من تاريخه أو من قدرته على كسب الانتخابات، بل من مدى تماهيه مع حاجات المجتمع وقدرته على تقديم حلول حقيقية لمشاكله ويتطلب ذلك من الأحزاب بناء سياسات شاملة تأخذ بعين الاعتبار مختلف الفئات الاجتماعية، والتفاعل المباشر مع المواطنين، والاستماع إلى آرائهم ومطالبهم عبر آليات ديمقراطية حقيقية كما يجب عليها تجديد خطابها السياسي باستمرار ليعكس المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وعدم الاكتفاء بالشعارات الرنانة التي تفقد مصداقيتها بمرور الوقت وفي النهاية، فإن العلاقة بين الحزب والشعب يجب أن تكون علاقة ديناميكية قائمة على التفاعل المستمر والثقة المتبادلة، وإلا فإن الحزب سيتحول إلى مجرد كيان سياسي فاقد للحياة، محكوم عليه بالانهيار أمام موجات التغيير القادمة.