*فادي السمردلي يكتب: تسييس القضاء والمؤسسات المستقلة(٣٦/١٣)*

*بقلم فادي زواد السمردلي*  …..

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب.(٣٦/١٣)”*

ماذا يعني تسييس القضاء والمؤسسات المستقلة ؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️

تعد ظاهرة تسييس القضاء والمؤسسات المستقلة من أخطر الظواهر التي قد تهدد استقرار أي نظام سياسي، لا سيما عندما يكون هناك حزب حاكم يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة عبر التأثير على الأجهزة الرقابية والقضائية في الدولة وفي سياقات عديدة، نجد أن تسييس القضاء لا يقتصر على إحداث تغيير في تشكيلات المحاكم والهيئات الرقابية، بل يشمل أيضًا التأثير على قرارات هذه المؤسسات، بحيث تتحول إلى أدوات لخدمة الأجندات السياسية للنظام الحاكم، مما يهدد المبادئ الأساسية للعدالة والمساواة وفي هذا السياق، فإن وجود نظام قضائي غير مستقل يصبح مصدرًا رئيسيًا لتآكل الثقة في النظام الحاكم برمته.

إن أولى مظاهر تسييس القضاء تظهر في عملية تعيين القضاة والمسؤولين داخل المؤسسات القضائية والرقابية ففي الأنظمة التي تشهد تسييسًا، يتم اختيار القضاة بناءً على ولائهم للحزب الحاكم بدلاً من كفاءتهم المهنية أو نزاهتهم فمثل هذه التعيينات تؤدي إلى أن يصبح القاضي أكثر حرصًا على إرضاء السلطة الحاكمة بدلاً من تطبيق القانون بشكل عادل علاوة على ذلك، قد يمارس الحزب الحاكم ضغوطًا مباشرة أو غير مباشرة على القضاة لضمان إصدار أحكام لصالح مصالحه أو للتأثير في سير القضايا السياسية بطريقة تخدم أغراضه وفي هذه الحالات، يصبح القضاء بمثابة أداة لفرض هيمنة السلطة السياسية على كافة مناحي الحياة العامة، وتصبح قرارات المحكمة عرضة لتوجيهات السلطة الحاكمة.

إحدى التطبيقات الواضحة لتسييس القضاء هي استخدامه لملاحقة المعارضين السياسيين ففي ظل نظام سياسي يتسم بتسييس القضاء، يصبح القضاء وسيلة لاضطهاد خصوم الحزب الحاكم وقمع أي معارضة سياسية وقد يتم استخدام القوانين في هذا السياق كأداة لمحاكمة المعارضين بتهم ملفقة أو تجاوزات قانونية مفتعلة يكون الهدف من هذه المحاكمات في كثير من الأحيان هو إضعاف الحركات المعارضة وتقديم رسالة واضحة لأي شخص يجرؤ على التحدي، مفادها أن مصيره سيكون القمع والإقصاء السياسي وبالتالي، يتم استغلال القضاء لخدمة النظام بدلاً من أن يكون أداة للمحاسبة والعدالة.

ومن أبرز الظواهر التي يمكن ملاحظتها في هذه الأنظمة هي تعطيل التحقيقات المتعلقة بقضايا الفساد التي تشمل الحزب الحاكم أو كبار قادته ففي حالة وجود فساد داخل الحكومة أو الحزب الحاكم، يتم التلاعب بالمؤسسات القضائية والإدارية لإعاقة أي تحقيقات قد تؤدي إلى كشف التورط في الفساد ويتم ذلك من خلال تعطيل أو تأجيل الإجراءات القضائية أو عن طريق إحالة القضايا إلى محاكم غير قادرة على اتخاذ قرارات محايدة أو عادلة كما أن هناك استراتيجيات متبعة لتشتيت الانتباه عن قضايا الفساد، مثل إشغال الرأي العام بقضايا جانبية أو خلق أزمات أخرى لتشويش التركيز على الفساد وهذه الممارسات تعزز ثقافة الإفلات من العقاب وتؤدي إلى تصاعد مستويات الفساد في النظام السياسي، مما يساهم في خلق بيئة غير عادلة وغير شفافة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تسييس القضاء يؤثر بشكل كبير على دور الهيئات المستقلة التي من المفترض أن تقوم بمتابعة ومراقبة أداء الحكومة ومؤسسات الدولة وفي هذه الحالة، يتم تقليص صلاحيات هذه الهيئات أو تحجيم دورها بشكل يسمح للنظام السياسي بالتحكم الكامل في عمليات الرقابة والتقييم وهذا يؤدي إلى غياب الشفافية والمساءلة، حيث تصبح السلطة الحاكمة قادرة على اتخاذ قرارات غير خاضعة للمراجعة أو التحقيق ونتيجة لهذا التهميش، يصبح الفساد والفشل الإداري أمورًا طبيعية، ولا يكون هناك أي إطار قانوني فعال لمحاسبة المسؤولين أو اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المخالفات.

أما بالنسبة للنتائج الاجتماعية والسياسية المترتبة على تسييس القضاء والمؤسسات المستقلة، فإن تأثيراتها تكون مدمرة على المدى الطويل أولاً، تؤدي هذه الظاهرة إلى فقدان الثقة الكاملة من قبل المواطنين في نزاهة النظام القضائي فيصبح المواطنون على يقين بأن القضاء لن يعمل لصالحهم بل لخدمة السلطة الحاكمة، مما يخلق شعورًا بالظلم والإحباط وهذا الأمر يمكن أن يساهم في زيادة شعور العامة بالعجز عن الحصول على حقوقهم ويؤدي إلى تدهور الانتماء الوطني وإضعاف العلاقة بين المواطن والدولة.

ثانيًا، غياب المحاسبة في ظل تسييس القضاء يعزز انتشار الفساد على جميع المستويات، حيث يصبح من الصعب على الأفراد أو المؤسسات الكشف عن المخالفات أو محاسبة المسؤولين الفاسدين فمع تزايد الفساد، تتدهور الخدمات العامة، وتضعف المؤسسات الحكومية، ويزداد الانقسام الاجتماعي كما أن غياب القضاء المستقل يخلق بيئة خصبة للتلاعب بالنظم القانونية لمصلحة الأغنياء وأصحاب النفوذ، مما يفاقم عدم المساواة في المجتمع.

أخيرًا، تكون النتيجة الحتمية لهذا الوضع هي تصاعد الاحتجاجات الشعبية فعندما يواجه المواطنون عدم العدالة وغياب المحاسبة، يزداد احتمال اندلاع الاحتجاجات والانتفاضات ضد النظام السياسي وفي كثير من الحالات، تكون هذه الاحتجاجات نتيجة مباشرة لإحساس المواطنين بالعجز عن مواجهة الظلم من خلال القنوات القانونية والتشريعية المتاحة وهذه الاحتجاجات قد تؤدي إلى زعزعة استقرار النظام القائم، وقد تتحول إلى أزمات سياسية قد تطول لفترات طويلة إذا استمر الحزب الحاكم في استخدام الأجهزة القضائية لخدمة مصالحه على حساب العدالة.

بالتالي، يمكن القول إن تسييس القضاء والمؤسسات المستقلة يؤدي إلى تآكل أساسيات النظام الديمقراطي وتغذية الفساد، مما يهدد استقرار النظام السياسي ويؤدي إلى تزايد الاحتقان الشعبي الذي قد يؤدي إلى أزمات عميقة تؤثر على كافة جوانب الحياة في الدولة.

قد يعجبك ايضا