*فادي السمردلي يكتب عن الاعتماد على الزعامات الكاريزمية – خطر يُضعف الأحزاب (٣٦/١٧)*
*بقلم فادي زواد السمردلي* ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب(٣٦/١٧)”*
ماذا يعني الاعتماد على الزعامات الكاريزمية في الأحزاب؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️
الاعتماد على الزعامات الكاريزمية في الأحزاب السياسية يمثل تحديًا كبيرًا يهدد استقرار هذه الأحزاب ويضعف قدرتها على الاستمرار ككيانات مؤسسية مستقلة فعندما يتركز النفوذ السياسي والإداري في يد قائد واحد يتمتع بشخصية قوية وكاريزما طاغية، يتحول الحزب من كيان يعتمد على العمل الجماعي إلى أداة شخصية تُدار وفقًا لرؤية الزعيم الفردي وهذا يؤدي إلى غياب الهياكل التنظيمية القوية، حيث يتم تهميش القيادات الوسطى والكوادر الحزبية لصالح القائد الأوحد، مما يمنع بروز قيادات بديلة ويحدّ من التفاعل الديمقراطي داخل الحزب ونتيجة لذلك، يفقد الحزب قدرته على التطور الطبيعي والتكيف مع المتغيرات السياسية، إذ يصبح مجرد انعكاس لإرادة الزعيم، وليس كيانًا سياسيًا مستقلًا قائمًا على المبادئ والأهداف الجماعية.
أحد أبرز المخاطر التي تنجم عن هيمنة شخصية واحدة على الحزب هو مصير الحزب بعد رحيل القائد فعندما يكون الزعيم هو المحرك الأساسي للحزب، فإن أي غياب مفاجئ له، سواء كان بسبب الوفاة، العجز، أو حتى الانشقاق، يؤدي إلى حالة من الفراغ القيادي العميق، إذ يجد الحزب نفسه غير قادر على مواصلة العمل السياسي بفعالية ويعود ذلك إلى أن الحزب لم يستثمر في إعداد كوادر قيادية بديلة قادرة على استلام زمام الأمور، مما يؤدي إلى تفكك الحزب أو دخوله في حالة من الصراعات الداخلية التي تضعف تماسكه وتجعله عرضة للانشقاقات وتاريخ الأحزاب السياسية مليء بالأمثلة على أحزاب انهارت بالكامل أو دخلت في أزمات وجودية بمجرد اختفاء زعيمها، مما يعكس هشاشة هذه الأحزاب وعدم قدرتها على بناء مؤسسات حزبية قوية تتجاوز الأفراد وتستند إلى مبادئ وقواعد واضحة.
ومن الآثار السلبية الأخرى لهيمنة الزعامات الكاريزمية غياب التداول القيادي داخل الحزب، حيث يظل القائد في منصبه لفترات طويلة دون أن يتم استبداله أو حتى مساءلته من قبل الأعضاء وهذا الاحتكار للقيادة يؤدي إلى حالة من الجمود السياسي والفكري داخل الحزب، حيث يتم قمع أي محاولة لتقديم أفكار جديدة أو استراتيجيات بديلة، مما يعيق تطوير الحزب ويفقده القدرة على الاستجابة لمتغيرات المشهد السياسي. كما أن استمرار نفس القائد في السلطة لفترات طويلة غالبًا ما يؤدي إلى تفشي ثقافة الولاء الشخصي بدلاً من الولاء للمبادئ الحزبية، حيث يصبح النجاح داخل الحزب مرتبطًا بمدى القرب من الزعيم وليس بالكفاءة السياسية أو الفكرية وهذا بدوره يؤدي إلى تراجع أداء الحزب سياسيًا وشعبيًا، حيث يتحول إلى كيان مغلق غير قادر على استقطاب شخصيات جديدة أو توسيع قاعدته الجماهيرية.
على المستوى الأوسع، يؤدي هذا النهج إلى تحويل الحزب إلى مجرد أداة شخصية يستخدمها الزعيم لتحقيق أهدافه السياسية الخاصة، بدلاً من أن يكون مؤسسة تعمل وفق رؤية جماعية لصالح المجتمع ونتيجة لذلك، يفقد الحزب مصداقيته السياسية، حيث يصبح مرتبطًا بشخص الزعيم أكثر من ارتباطه بالأفكار أو المبادئ التي يدعي تمثيلها ومع مرور الوقت، يتسبب هذا في عزلة الحزب عن الناخبين، إذ يدرك الجمهور أن الحزب لا يمتلك رؤية سياسية مستقلة، بل هو مجرد امتداد لشخصية الزعيم، مما يضعفه في الاستحقاقات الانتخابية ويجعله غير قادر على تحقيق نتائج ملموسة.
وعند رحيل القائد، فإن الحزب غالبًا ما يدخل في مرحلة من الانشقاقات والصراعات الداخلية بسبب غياب الهياكل التنظيمية القوية التي تنظم عملية انتقال القيادة فالقيادات المتنافسة التي كانت تعمل تحت مظلة الزعيم تجد نفسها فجأة في مواجهة مباشرة على السلطة، مما يؤدي إلى صراعات داخلية مريرة يمكن أن تؤدي إلى انقسام الحزب إلى مجموعات متناحرة أو حتى انهياره بالكامل كما أن غياب آليات واضحة لتداول القيادة يجعل من الصعب على الحزب إيجاد بديل قادر على ملء الفراغ القيادي بسرعة وكفاءة، مما يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الحزبي قد تستمر لفترات طويلة.
لذلك، فإن الحل لهذه المعضلة يكمن في بناء أحزاب ذات طابع مؤسسي قوي، بحيث تعتمد على هياكل تنظيمية واضحة وآليات ديمقراطية تضمن تداول القيادة وتمنع احتكار السلطة من قبل فرد واحد ومن الضروري أن تعمل الأحزاب على إعداد قيادات بديلة وتدريب الكوادر الحزبية على تحمل المسؤوليات القيادية، لضمان استمرارية الحزب حتى في غياب القائد الحالي كما يجب تشجيع ثقافة المشاركة والتنوع داخل الحزب، بحيث يتم اتخاذ القرارات من خلال عمليات جماعية تضمن تمثيل مختلف الآراء والتوجهات، بدلاً من أن تكون محصورة في يد شخص واحد.
في النهاية، فإن الأحزاب التي تعتمد على الزعامات الكاريزمية قد تبدو قوية ومتماسكة في الظاهر، لكنها في الواقع هشة ومعرضة للانهيار عند أول اختبار حقيقي فالسياسة الناجحة لا تبنى على الأفراد وحدهم، بل على المؤسسات القوية التي تمتلك القدرة على التجدد والتطور بعيدًا عن الأشخاص، مما يضمن استدامة الحزب وقدرته على التأثير في المشهد السياسي على المدى الطويل.