*فادي السمردلي يكتب :التخبط الأيديولوجي داخل الأحزاب(٣٦/١٩)*
*بقلم فادي زواد السمردلي* ……
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب.(٣٦/١٩)”*
ماذا يعني التخبط الأيديولوجي داخل الأحزاب؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️
التخبط الأيديولوجي من أخطر الأزمات التي يمكن أن تواجه الأحزاب السياسية، إذ يهدد استقرارها الداخلي ويضعف قدرتها على كسب ثقة الناخبين، ويؤدي في نهاية المطاف إلى تآكل شرعيتها وفقدان تأثيرها في المشهد السياسي وينشأ هذا التخبط أساساً عندما يفتقر الحزب إلى رؤية فكرية واضحة ومتماسكة، مما يجعله يتخذ مواقف متناقضة تبعاً للضغوط الانتخابية أو السياسية دون أن يكون لديه إطار مرجعي ثابت يحدد توجهاته فالعديد من الأحزاب التي تعاني من التخبط الأيديولوجي تجد نفسها في حالة تغير مستمر، فتتبنى خطاباً معيناً في مرحلة معينة ثم تتراجع عنه لاحقاً تحت وطأة الظروف أو لمجرد تحقيق مكاسب سياسية مؤقتة ويظهر هذا بوضوح عندما يغيّر الحزب مواقفه بين مرحلة المعارضة ومرحلة الحكم، حيث يكون صوته عالياً في انتقاد السياسات القائمة عندما يكون خارج السلطة، لكنه يتبنى سياسات مشابهة أو حتى مناقضة لوعوده الانتخابية بمجرد وصوله إلى الحكم وهذا الانفصال بين الخطاب والممارسة يجعل الحزب يبدو وكأنه يفتقر إلى المصداقية، ويؤدي إلى اهتزاز صورته أمام الناخبين الذين يبدؤون في التشكيك في مدى التزامه بمبادئه كما أن هذا التخبط يظهر بشكل جليّ عندما يقدم الحزب خطابات متناقضة لمختلف فئات المجتمع، حيث يحاول استمالة كل فئة بخطاب يناسب تطلعاتها، دون أن يراعي التناقضات الجوهرية التي قد تنشأ بين هذه الخطابات فمثلاً، قد يتبنى الحزب خطاباً اشتراكياً موجهاً للطبقات الفقيرة ويتحدث عن ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، لكنه في الوقت نفسه يقدم وعوداً لرجال الأعمال بتخفيض الضرائب وفتح المجال أمام الاقتصاد الحر، مما يجعله في حالة تناقض دائم وهذا النوع من الخطاب الانتهازي لا يمكن أن يصمد طويلاً، حيث يبدأ الناخبون في إدراك أن الحزب لا يحمل مشروعاً سياسياً حقيقياً، بل يسعى فقط إلى تحقيق مكاسب انتخابية آنية. وإلى جانب ذلك، فإن غياب برنامج سياسي واضح يمثل أحد الأسباب الجوهرية التي تعزز التخبط الأيديولوجي، فالحزب الذي لا يمتلك رؤية استراتيجية محددة للحكم والإصلاح يعتمد بشكل أساسي على الشعارات والوعود العامة التي تبدو جذابة في الحملات الانتخابية لكنها تفتقر إلى آليات التنفيذ الواقعية وعندما يصل هذا الحزب إلى السلطة، يجد نفسه غير قادر على تحقيق هذه الوعود، مما يؤدي إلى خيبة أمل واسعة بين أنصاره وإلى تراجع شعبيته سريعاً كما أن عدم امتلاك رؤية سياسية واضحة يخلق حالة من الفوضى الداخلية داخل الحزب نفسه، حيث تختلف توجهات الأعضاء حول المسار الذي يجب اتباعه، وتظهر تيارات متباينة تسعى كل منها إلى فرض رؤيتها، مما يؤدي إلى صراعات داخلية قد تصل إلى حد الانشقاقات وهذا الانقسام الداخلي يجعل الحزب يبدو غير متماسك، ويفقده القدرة على التفاوض السياسي الفعّال، سواء مع الأحزاب الأخرى أو مع القوى الفاعلة في الدولة ومن النتائج المباشرة لهذا التخبط الأيديولوجي فقدان الحزب لثقة الناخبين، حيث يصبح من الصعب على الجمهور الوثوق بحزب يغير مواقفه باستمرار ولا يلتزم بمبادئ ثابتة. كما أن عدم وضوح الرؤية يضعف قدرة الحزب على إقناع الجماهير بمواقفه، حيث تبدو سياساته غير متسقة، مما يؤدي إلى تراجع شعبيته تدريجياً ومع مرور الوقت، يؤدي هذا الارتباك إلى تفاقم الانقسامات الداخلية، حيث تبدأ الصراعات بين الأجنحة المختلفة داخل الحزب، وقد تصل في بعض الأحيان إلى خروج بعض القيادات أو الأعضاء المؤثرين وتشكيل أحزاب جديدة أكثر وضوحاً في توجهاتها وفي نهاية المطاف، يصبح الحزب الذي يعاني من التخبط الأيديولوجي غير قادر على المنافسة السياسية الفعالة، ويفقد دوره كلاعب رئيسي في الساحة السياسية، وقد يتحول إلى كيان هامشي غير مؤثر، أو حتى يختفي تماماً مع مرور الزمن لذلك، فإن الأحزاب التي ترغب في البقاء والاستمرار يجب أن تحرص على بناء هوية سياسية واضحة ومستقرة، تعتمد على رؤية طويلة المدى بدلاً من اللهاث وراء المكاسب اللحظية، لأن الاستمرارية في السياسة تعتمد بشكل أساسي على المصداقية والاتساق في المواقف، وليس على تغيير الخطاب وفقاً للظروف العابرة.