*فادي السمردلي يكتب: تهميش الأقليات سقوط للأحزاب وتراجع الديمقراطية (٣٦/٢٤)*

*بقلم فادي زواد السمردلي*  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب. (٣٦/٢٤)”*

*ماذا يعني تهميش الأقليات؟*
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️

رغم ما يُرفع من شعارات المساواة والعدالة، لا تزال الأقليات بمختلف أطيافها الدينية، والعرقية، والمناطقية، والثقافية تعاني من تهميش ممنهج داخل معظم الأحزاب السياسية تهميش هذه الفئات لا يعني فقط إقصاءها من المشاركة في مواقع اتخاذ القرار، بل يمثل أيضًا فقدانًا لتوازن التمثيل الديمقراطي الذي يفترض أن يحتضن جميع مكونات المجتمع دون استثناء.

في كثير من البلدان، تُعامل الأقليات ككتلة انتخابية ثانوية، تُستدعى فقط عند الحاجة للأصوات، ثم تُهمل بقية الدورة السياسية وهذه النظرة الانتهازية تسلب الأقليات دورها الطبيعي في صياغة السياسات، وتحصر وجودها ضمن دوائر ضيقة لا تتعدى الخطاب الإعلامي أو التنوع الرمزي داخل الحملات الانتخابية وغالبًا ما تغيب أي رؤية استراتيجية داخل الأحزاب لدمج هذه الفئات في البنية التنظيمية والقيادية، مما يكرّس حالة العزلة السياسية، ويزرع الشعور بالاغتراب داخل الأوطان.

إن ما يزيد خطورة هذا التهميش هو تجاهل الاحتياجات الخاصة للأقليات، والتي قد تتعلق بالهوية، أو الحقوق الثقافية، أو العدالة الاجتماعية فحين تُصاغ البرامج السياسية دون اعتبار لمشاكل الأقليات — سواء كانت مشاكل تتعلق بالتمييز، أو الإقصاء الاقتصادي، أو حتى الاضطهاد المجتمعي — فإن ذلك لا يُنتج فقط سياسات غير عادلة، بل يرسّخ الانقسام الاجتماعي ويُعمّق الشعور بالغبن التاريخي.

بعض الأحزاب تدّعي الانفتاح، لكن تمارس في الواقع أشكالًا من الإقصاء المقنّع، حيث تُمنح الأقليات مناصب رمزية دون صلاحيات حقيقية، أو يتم عزلهم عن الملفات الحساسة التي تمس السياسات العامة ويظهر هذا جليًا في اللجان العليا والمكاتب السياسية التي نادرًا ما تضم أعضاء من الأقليات، أو إذا ضمتهم، فإن صوتهم يبقى هامشيًا وغير مؤثر في رسم التوجهات.

من جهة أخرى، فإن تهميش المناطق النائية — والتي كثيرًا ما تسكنها أقليات دينية أو عرقية — يُعد شكلًا صارخًا من الإقصاء الجغرافي والسياسي فلا يصل الخطاب الحزبي إليها إلا في المواسم الانتخابية، ولا تنال حقها من الخدمات أو التنمية أو التمثيل السياسي، وهو ما يولد مشاعر عميقة من التهميش والانفصال عن المركز السياسي وهنا تصبح الأحزاب مسؤولة عن تأجيج الفجوة بين “مركز السلطة” و”هامش الوطن”، وهي فجوة يمكن أن تتطور إلى تحديات خطيرة لاستقرار الدولة ووحدتها.

كما أن استمرار هذا التهميش يدفع كثيرًا من أبناء الأقليات إلى الانخراط في حركات احتجاجية أو مبادرات بديلة خارج الإطار الحزبي، وهو ما يُضعف المنظومة الحزبية التقليدية ويُعرضها لخطر التآكل من الداخل فحين لا يجد الفرد في الحزب تمثيلًا لهويته وانشغالاته، يبحث عن إطار بديل يقدّر وجوده ويصغي إليه وقد تتحول هذه الحركات في بعض الأحيان إلى حركات راديكالية أو انفصالية، إن لم تجد احتواءً سياسيًا جادًا.

إن الأحزاب التي تُقصي الأقليات تفقد تدريجيًا شرعيتها الأخلاقية والتمثيلية، لأنها تُحوّل العمل السياسي من مشروع وطني جامع إلى أداة تخدم مصالح نخبة محدودة من مكونات المجتمع ومع الوقت، تفقد هذه الأحزاب قدرتها على قراءة الواقع، والتفاعل مع التغييرات الاجتماعية والديموغرافية، فتصبح رهينة للعزلة السياسية، وعاجزة عن تقديم حلول واقعية وشاملة.

في الختام، لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية دون إشراك فعلي وعادل للأقليات لإن دمجهم في الحياة السياسية ليس ترفًا، بل هو ضرورة وجودية لضمان توازن واستقرار النظام السياسي فالأحزاب الراغبة في البقاء والتطور لا بد أن تفتح أبوابها أمام كل صوت مغيّب، وأن تعيد صياغة هياكلها وبرامجها لتكون شاملة ومتنوعة فقط حين تُصبح الأحزاب بيتًا للجميع، يمكننا أن نؤسس لسياسة وطنية عادلة، تمثل كل الأطياف وتعبّر عن همومها دون تمييز أو تهميش.

قد يعجبك ايضا