*فادي السمردلي يكتب: المركزية المفرطة بوابة فشل الأحزاب وعزلتها عن الواقع (٣٦/٢٥)*
*بقلم: فادي زواد السمردلي* …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب.” (٣٦/٢٥)*
ماذا تعني المركزية المفرطة؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️
المركزية المفرطة آفة تنظيمية خطيرة، ومدخل أكيد لتآكل الأحزاب فعندما تتحول الأحزاب السياسية إلى مؤسسات مغلقة تُدار بعقلية مركزية متسلطة، فإنها عمليًا تبدأ العدّ التنازلي نحو الفشل والانهيار.
لا تقتصر المركزية على احتكار القيادة للقرار، بل تشمل أيضًا فقدان الحزب لديناميكيته، واختناقه داخليًا، وانفصاله عن مجتمعه، الذي من المفترض أن يكون انعكاسًا له ومعبّرًا عنه.
هذا النموذج التنظيمي يُقصي الكفاءات، ويُكمم الأفواه، ويحوّل الفروع إلى أدوات تنفيذية مشلولة، بدلًا من أن تكون شريكة فاعلة في الرؤية والقرار وحين تحتكر القيادة العليا سلطة التخطيط والتنفيذ، وتُقصي القواعد الحزبية والفروع المناطقية، يتحول الحزب إلى جهاز بيروقراطي يتخذ قراراته في غرف مغلقة، بعيدًا عن الناس، وبعيدًا عن الواقع.
واحدة من أبرز مظاهر هذا الخلل التنظيمي هي غياب التفاعل مع التنوع المحلي فالمناطق الجغرافية والاجتماعية المختلفة تحتاج إلى أساليب إدارة وحلول مختلفة. لكن الحزب المركزي لا يرى هذا التنوع، بل يُعمم قرارات موحدة لا تراعي اختلاف البيئات، فتفقد الفروع قدرتها على تقديم حلول حقيقية، بل وتُمنع من ذلك، لأن القرار محجوز في المركز، حتى وإن لم يكن مدركًا لتفاصيل القضايا أو حساسية التوقيت.
اللامركزية الحزبية ليست ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة استراتيجية وغيابها يجعل الحزب أعمى وأصمّ، عاجزًا عن التقاط نبض الشارع فالقيادة التي تحتكر القرار وتُقصي المحيطين بها تخلق حالة احتقان داخلي لا يلبث أن ينفجر فما لا يُقال في الاجتماعات، يُقال في الشارع، وما لا يُسمع في التقارير، يظهر في صناديق الاقتراع.
ولنكن واقعيين المركزية المفرطة تُفرز جهازًا بيروقراطيًا مترهلًا، غارقًا في الإجراءات والتقارير، يقتل المبادرة، ويُضعف سرعة الاستجابة فأي قرار، مهما كان بسيطًا، يحتاج سلسلة من الموافقات والمراسلات، وانتظار مواعيد قد لا تأتي أما الفروع، فعليها الانتظار أو الصمت وفي هذه البنية المعطوبة، لا مجال للتحرك السريع، ولا قدرة على التعامل مع الأزمات بفاعلية.
وهنا مكمن الخطورة حين تعجز القيادة عن اتخاذ قرارات سريعة في أوقات حرجة، فإنها تفسح المجال أمام المنافسين فالأحزاب ذات التنظيم اللامركزي المرن تملأ الفراغ بسرعة، وتكسب ثقة الجمهور، بينما يبقى الحزب المركزي متجمّدًا، يراقب تراجعه باستغراب.
والأسوأ من ذلك، أن المركزية المستمرة تؤدي إلى تفكك داخلي تدريجي فيشعر الأعضاء أنهم مجرد أدوات دون تأثير، فتتآكل الحماسة، ويضعف الانتماء، وتبدأ الاستقالات الصامتة، ثم الجهرية، ثم تنتهي بهجرة جماعية نحو أحزاب أكثر ديمقراطية ومرونة وعندها لا ينفع التنظير، ولا تُجدي المراجعات المتأخرة فالحزب الذي يفقد أعضاؤه، يفقد جوهره، ويتحوّل إلى هيكل فارغ في سجلات الدولة.
لكي لا نغرق في التشخيص دون مواجهة جوهر الداء، لا بد من الاعتراف بأن المركزية المفرطة تعني غياب الثقة بأبناء الحزب ورفض التعددية، وعدم احترام خصوصية المناطق إنها ثقافة إدارية قائمة على الخوف من المبادرة، وعلى احتكار القرار، وعلى عسكرة التنظيم وهي انعكاس لقيادة ضعيفة، تفضل العزلة في المكاتب على مواجهة الناس والاستماع إليهم.
ختاما إن الأحزاب التي تصر على اعتماد هذا النموذج المتخشّب، تُقصي ذاتها وتُضعف فرصها وتستهلك طاقاتها في إدارة التراتبية بدل صناعة القرار أما الإصلاح الحقيقي، فيبدأ من الداخل بإعادة توزيع الصلاحيات، وتفويض القرار، وبناء جسور الثقة بين المركز والقاعدة ومن دون ذلك، سيظل الحزب في انسحاب بطيء من الحياة السياسية، حتى يصبح مجرد اسم بلا معنى، ولا أثر.