أميركا والوهم بالنصر على إيران : قراءة في المعلن والمخفي

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات  …..

 

لطالما روّجت الإدارات الأميركية الجمهوريين والديمقراطيين على حدّ سواء، لفكرة أن العقوبات القصوى، والعزل السياسي، والضغط العسكري، قد أضعفت إيران وجعلتها قاب قوسين أو أدنى من السقوط، إلا أن هذا الإدعاء لا يصمد أمام حقائق الميدان ولا أمام ما يدور في غرف العمليات والتخطيط الإستراتيجي في البنتاغون ووكالة الإستخبارات المركزية.
أولاً : من العراق إلى إيران ذاكرة الفشل الأميركي :
حين أسقطت واشنطن نظام صدام حسين عام 2003، كانت واثقة أن عراقاً جديداً سيكون حليفاً مطيعاً، يُستخدم منصة لمراقبة إيران، وورقة ضغط ضد سوريا، وبوابة للنفط غير المشروط، إلا أن الرياح جرت بعكس ما أشتهته البارجات الأميركية، فبدل أن تنبت الديمقراطية، تفجّرت الأرض بحركات مقاومة مسلّحة، شيعية وسنية على السواء، أبرزها ” جيش المهدي “، و” عصائب أهل الحق “، و” كتائب حزب الله “، ألتي لم تهزم الجندي الأميركي في الأشتباك فقط، بل هزمته في المعادلة الإستراتيجية الكبرى : خرج الأميركي مذلولاً، مدحوراً، منهكاً، دون أن يحصد إستقراراً أو نفوذاً.
هذا النموذج بكل كلفته، لا يغيب عن مراكز القرار الأميركية، وهو أحد الأسباب الرئيسية ألتي تجعل واشنطن تتردد في الدفع نحو إسقاط النظام الإيراني بشكل مباشر، رغم كل العداء المعلن له والتصريحات بإزالة النظام وألتي سمعناها كثيراً منذ العدوان السافر الأخير الأمريكي والصهيوني على إيران.
ثانياً : توجس أميركي من”الفراغ ” الإيراني :
أي متابع ومراقب لصنع القرار الأميركي يدرك أن واشنطن لا تخشى النظام الإيراني بسبب قوته العسكرية التقليدية فقط، بل بسبب ” ما بعد النظام “، فالولايات المتحدة الأمريكية تعرف أن إنهيار النظام المركزي في طهران لن يفتح أبواب الديمقراطية الليبرالية، بل قد يطلق موجة من الفوضى المسلحة، والنزاعات القومية، وتفريخ جماعات عقائدية مسلّحة، أكثر تطرفاً، وأقل عقلانية، وربما أكثر عداءاً لها من النظام الحالي، فالبديل المحتمل ليس ” معارضة باريس / ( مجاهدين خلق المنافقين ) “، بل ” جماعات طهران المتشددة “، ألتي لا تؤمن لا بـ” الأتفاق النووي “، ولا بـ” نظام دولي قائم على القواعد “.
ثالثاً : الدلالات الدامغة على غياب النصر :
1. عدم سقوط الحلفاء الإقليميين لإيران : رغم كل العقوبات، لا تزال طهران تموّل وتدير حلفاءها : من حزب الله في لبنان، إلى الحوثيين في اليمن، وصولاً إلى الحشد الشعبي في العراق، هذه التنظيمات لم تتفكك، بل زادت تنظيماً وقدرة وفعالية.
2. إستمرار الطموح النووي : حتى بعد الإنسحاب الأميركي من الإتفاق النووي، لم تنجح العقوبات الأميركية الجائرة والمفروضة على إيران في كبح برنامج إيران النووي، بل دفعته إلى الأمام، وها هي طهران تقترب من عتبة النووي أكثر من أي وقت مضى.
3. إخفاق سياسة ” الضغوط القصوى ” : خطة ترامب ألتي وُصفت بأنها الأكثر تشدداً تجاه إيران لم تحقق أي تغيير في سلوك النظام الإيراني، بل زادت التوتر في الخليج، ورفعت من كلفة حماية المصالح الأميركية.
4. رسائل الردع من محور المقاومة : عندما قصفت إيران قاعدة عين الأسد بعد إغتيال الشهيد قاسم سليماني، لم ترد أميركا عسكرياً، وهو أول مؤشر عملي على أن الرهبة من التصعيد أضحت عاملاً ضاغطاً على قرار واشنطن.
رابعاً : واشنطن لا تريد سقوط العاصمة طهران، بل إعادة تكييفها، الهدف الأميركي الحقيقي لم يكن يوماً ” إسقاط النظام الإيراني ولن يكون ” بقدر ما كان ” ترويضه ” ليكون أكثر مرونة تجاه المصالح الغربية، وأقل أندفاعاً تجاه دعم حلفائه، ولهذا نرى أن الخيار المفضل للولايات المتحدة الأميركية ليس الحرب، بل إدارة الصراع، عبر الضغوط والأحتواء، دون الأنزلاق إلى الفوضى.
فالإدارة الأميركية تعرف جيداً أن” إيران بدون نظام “قد تعني” شرق أوسط بلا نظام “.
خلاصة القول كمتابع للشأن الإيراني، وبعد مرور12يوماً من العدوان الأمريكي الصهيوني السافر هل سيتم رفع العقوبات الجائرة عن إيران …؟.
وأن الحديث عن النصر الأميركي على إيران ليس سوى وهم سياسي، تسوّقه واشنطن للإيحاء بالقوة، لكنه لا ينعكس في الواقع الأستراتيجي، الخوف الحقيقي لواشنطن ليس من” إيران الحالية “، بل من ” إيران الفوضى “، ولذلك فإن أقصى ما تطمح إليه أميركا هو إخضاع النظام الأيراني لا إسقاطه، وضبط أندفاعاته دون قتله، لتبقى المنطقة كاملة قابلة للإدارة، لا للإنفجار.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا