لماذا لم يتحرك العالم لوقف الحرب على غزة بينما تحرك بسرعة لوقف الحرب الإسرائيلية – الإيرانية؟

محي الدين غنيم   ……

في منتصف عام 2024  وقعت مواجهة عسكرية مباشرة وغير مسبوقة بين إيران وإسرائيل، حين ردّت طهران على استهداف إسرائيل لقنصليتها في دمشق، بهجوم صاروخي واسع طال العمق الإسرائيلي. لم تكد تمر ساعات على التصعيد حتى تحركت القوى الكبرى، وخصوصًا الولايات المتحدة، لتطويق الموقف، ومنع الانزلاق إلى حرب شاملة. جلسات طارئة، اتصالات دبلوماسية رفيعة المستوى، تحذيرات غربية متتالية… والنتيجة: وقف سريع للتصعيد وعودة إلى ما يشبه “التهدئة”، وفي الشهر السادس من هذا العام شن الكيان الصهيوني هجوما واسعا على طهران والذي ادى لإغتيال عدد من القيادات العسكرية والعلماء وضحاها مدنيين ، وما أن إستوعبت القيادة الحكيمة الإيرانية الضربة ، حتى كان الرد الإيراني المزلزل على الكيان الصهيوني اللقيط ، حيث استهدف العديد من المواقع الاستخبارية والعسكرية والاقتصادية  وضرب القاعدة العسكرية في قطر ، حتى إنتفض العالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لوقف الحرب .

هذا المشهد يطرح سؤالًا هاماً :  لماذا لم نرَ هذا التحرك الدولي العاجل في الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، التي استمرت لأشهر طويلة وما تزال؟

إن الصراع بين إسرائيل وإيران لا يُقرأ فقط في سياق إقليمي، بل يُنظر إليه كحرب قد تشعل منطقة الشرق الأوسط كلها، وتهدد مصالح الولايات المتحدة، وتؤثر على أسعار الطاقة وسلامة الممرات البحرية، وتجر أطرافًا إقليمية ودولية إلى المواجهة. لذلك، فإن وقف هذا التصعيد لم يكن من باب “الإنسانية”، بل لحماية “الاستقرار العالمي” ومصالح القوى الكبرى.

وفي المقابل، الحرب الإسرائيلية على غزة – التي بدأتها تل أبيب بذريعة “الرد على حماس” – حصدت أرواح الآلاف من المدنيين، بينهم آلاف الأطفال والنساء، وتسببت بتدمير غير مسبوق في البنية التحتية. ومع ذلك، ظل العالم يتفرّج، مكتفيًا ببيانات إدانة شكلية، دون أي ضغط حقيقي لوقف المجازر أو فرض عقوبات على المحتل.

إن ازدواجية المعايير الدولية باتت فاضحة. فعندما تتعرّض إسرائيل لهجوم، يُستنفر المجتمع الدولي بأسره، أما عندما تُرتكب الجرائم بحق الفلسطينيين، فلا نسمع سوى تبريرات وذرائع تدور حول “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، دون أي اعتبار لحق الشعب الفلسطيني في الحياة، ولا لأي التزامات قانونية أو أخلاقية بموجب القانون الدولي الإنساني.

ومن الأسباب التي تفسّر هذا التباين، أن غزة محاصَرة ومُنهكة اقتصاديًا وإنسانيًا، ولا تُشكّل تهديدًا مباشرًا لمصالح القوى الكبرى، بينما ترى هذه القوى أن اندلاع حرب بين طهران وتل أبيب قد يتطور إلى تهديد وجودي لأمن المنطقة وللاقتصاد العالمي، لذا يتم بذل كل الجهود لوقفه.

وربما تراهن بعض الدول على نسيان العالم لما يحدث في غزة، لأن العدوان طال، والمآسي تكررت، والمجتمع الدولي بات يتعامل مع المأساة وكأنها واقع “اعتيادي”. لكن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، ولا تُمحى من ذاكرة الشعوب، مهما طال صمت العالم أو تواطأ.

والأن العالم مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن يتخلى عن انتقائيته، وأن يثبت أن حياة الإنسان لها قيمة متساوية، بغض النظر عن جنسيته أو دينه. فكما أوقفوا الحرب الإسرائيلية – الإيرانية خوفًا من التوسع الإقليمي، ينبغي أن يتحركوا لوقف الإبادة اليومية في غزة، لأن الدم الفلسطيني ليس أقل قدسية من غيره، ولأن العدالة لا تُجزأ.

 

الكاتب من الأردن

 

قد يعجبك ايضا