اقتصاد السعادة !!!

المهندس هاشم نايل المجالي   ….

 

السعادة هي الشعور بالرضا، وهذا ليس الأمر مستحيلاً كما يعتقد الكثير من الناس، إنما ممكناً وحق طبيعي لكل مواطن بالمجتمع، لكن الظروف المختلفة بين دولة وأُخرى تجعل هناك تفاوتاً كبيراً بالقدرة على تحقيق ذلك، والشعوب السعيدة لا تحتاج إلى رعاية الدولة من الولادة إلى الوفاة، بل تحتاج إلى الفرصة للتفكير بحرية، وإلى التقدير المتزن الملتزم بحرية، وإلى العمل المنضبط بحرية، وبالتالي خلق تنمية اقتصادية متوازنة، وإلى نمو اقتصادي مستدام يحقق رفاهاً اجتماعياً متوازناً ومشتركاً بين الأغلبية.
فالشعوب السعيدة تدفع الضرائب، لكنها تتمتع بخدمات عامة وبنية تحتية أفضل، وتكون الحكومة فعّالة ليكون هناك قطاع عام منتج وقطاع خاص مبادر وقوي، وقوى بشرية مبدعة ومبتكرة وريادية.
والشعوب التي صُنّفت أكثر سعادة، مثل الدنمارك وسويسرا والنرويج، حسب المبادرة التي أطلقتها الأمم المتحدة عام 2012، فلقد كانت الضرائب فيها مرتفعة على المواطنين، لكن مستوى الحرية الفردية المتزنة التي يشعر بها المواطن كان أعلى، وكان هناك توازن يعيشه المواطن بين حياته العملية وحياته الاجتماعية، وكانت هناك ثقة عالية من المواطنين بحكومتهم.
والمواطن في تلك الدول، الذي يستطيع أن يحصل على حرية تحديد مساره الاجتماعي والعملي والسلوكي الموزون، والأكاديمي العلمي والمهني، وهذا مختلف كلياً عن المواطنين الذين يعيشون في ظل دولة ريعية، يُجبره مستوى دخله على تحديد نوعية المدرسة التي يستطيع أن يُدرس أبناءه فيها، ومدى الضغوطات الدراسية على توفير مسار أكاديمي مناسب لأبنائه في ظل تدني مستوى التدريس أو التفاوت بين التحصيل الأكاديمي للفرص المتاحة والتنافسية الأصح، مما يجعل المواطن يبحث عن مصادر دخل مساندة ومساعدة، بالعمل ليل نهار، أو بالغش أو بالفساد وغيره، بدلاً من السعي بعمله للإبداع والابتكار والريادة، أو عمل مشروع خاص به.
فالشعب السويسري، مثلاً، تمتلك دولته الكثير من الشركات الكبرى، وبالتالي لديها اقتصاد قوي، وتُنافس تلك الشركات بقية الشركات، مثلاً صناعة الشوكولاتة وصناعة الساعات وغيرها، حيث يصل دخل الفرد فيها إلى 50 ألف دولار سنوياً على الأقل، مع توفر كافة خدمات البنية التحتية شبه مجاناً، سواء النقل أو الكهرباء والمياه وغيرها.
ولا يوجد فيها صراعات داخلية ومناكفات اجتماعية، وتتجنب المشاركة في الصراعات المختلفة، وتهتم بالرعاية الصحية لمواطنيها، وتهتم بالكبار والصغار لتُقدّم أفضل رعاية صحية ومستقرة وآمنة، لذلك لديهم الديمقراطية الحقيقية.

إننا جميعاً، كبشر، فاعلون، وقادرون على العطاء والإنتاج والإبداع والابتكار والتعاون المشترك المثمر، وقادرون على الانضباطية والالتزام، ودفع الضرائب الموزونة، ودفع المخالفات المُحقة، مقابل تقديم أعلى مستوى من الخدمات من قبل الحكومة، ليَلمس المواطن السعادة الحقيقية، ويكون هناك نمو اقتصادي حقيقي مستدام بكل مؤسساتها ومُنشآتها.
فـ”اقتصاد السعادة” هو الدراسة الكمية والنظرية للسعادة، والوجدان الإيجابي والسلبي، والرفاهية، وجودة الحياة، والرضا عن الحياة، حيث يرتبط ذلك بعلم النفس والاجتماع والصحة.
وهناك الدول التي تعمل جاهدة على تفعيله وتطويره بشتى الأساليب والإمكانات، وليس البحث فقط عن الهدف المادي، فكل مواطن ينشر السعادة ويبحث عنها، بل يبحث مفاتيحها (مفتاح السعادة)، علينا أن نجده وننميه، فـما سر وجودنا إن لم نسعَ للبحث عن السعادة؟ ، فهي تنبع من داخل الإنسان، وهو ما يحقق الرضا الفردي والطمأنينة على نفسه وأهله، من حيث توفر المقومات الأساسية من مستوى المعيشة المُقنع، من صحة وتعليم، رغم كل الأزمات والصعوبات.
فلا بد وأن نتعاون على توفير ما يمكن أن نوفره من بيئة آمنة غير ملوثة، تُحقق السعادة، وليس إشباعاً لغايات ليس لها سقف أو حدود أو أفكار خاطئة، بل الرضا، والصحة النفسية، والقناعة الذاتية، فهي مرتبطة بالطبيعة الاجتماعية للكائن البشري.
ودولة لبنان، رغم كل الأزمات والصراعات الداخلية والخارجية، قررت تعيين وزير للسعادة، علماً أنه قد هاجر منها الآلاف من المواطنين بحثاً عن السعادة في دول أُخرى، لكن مثل هذا القرار كان لا بد منه ليكون خطوة جدية نحو التغيير، لا أن يكون ديكوراً سياسياً يُجمّل المشهد القاتم، وأن يكون بداية لوعي جديد بأن الإنسان ليس مجرد رقم في معادلة اقتصادية، بل إنسان يبحث عن الكرامة، والأمن، والطمأنينة، في بلد أصبحت فيه الكهرباء والماء لمن يتوفر لديه الرفاهية.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا