*فادي السمردلي يكتب: الديمقراطية الداخلية للاحزاب ليست رفاهية بل ضرورة للبقاء*
*بقلم فادي زواد السمردلي* ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
حين نتحدث عن الديمقراطية داخل الأحزاب، فنحن لا نناقش ترفًا تنظيميًا أو تفاصيل شكلية يمكن تجاوزها، بل نتحدث عن أساس الفكرة الحزبية ذاتها فالحزب الذي لا يمارس الديمقراطية داخليًا، لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يدّعي تمثيل الناس أو الدفاع عن مصالحهم، لأنه ببساطة غير قادر على تطبيق ما ينادي به على ذاته.
المشكلة تبدأ عندما تتحول الديمقراطية الحزبية إلى واجهة زائفة وإلى ديكور تنظيمي يوحي بشيء لا وجود له في العمق فتتكرر نفس الأسماء في كل دورة تنظيمية، تُدار الاجتماعات بلغة واحدة وفكرة واحدة، ويصبح الكرسي هدفًا لا وسيلة، وتُدار الترتيبات مسبقًا بما يضمن تجديد الولاء للقيادة القائمة، وليس تجديد الدماء والأفكار فلا يُترك شيء للصدفة، لا الترشيحات، ولا النتائج، ولا حتى المداخلات فكل شيء مضبوط على إيقاع واحد الحفاظ على الوضع كما هو.
وفي ظل هذا المناخ، يفقد العضو العادي أي حافز للمشاركة فلماذا يُشارك وهو يعلم أن النتائج معروفة سلفًا؟ ولماذا يُرشّح نفسه إن كانت اللوائح ستُفصل ضده؟ ولماذا يُبدي رأيًا إن كان مجرد الاختلاف قد يُحسب عليه؟ يتحول الحزب من فضاء للسياسة إلى مساحة للإملاء، ومن منبر للنقاش إلى غرفة صدى تُردّد ما يقوله رأس الهرم فقط.
المشكلة ليست فقط في غياب المنافسة، بل في غياب الثقة والاحترام المتبادل بين القيادة والقاعدة فالقيادة التي تخشى من أعضاء حزبها لا يمكن أن تُنتج مشروعًا وطنيًا حقيقيًا والمفارقة أن كثيرًا من هذه القيادات تُطالب الدولة بالديمقراطية والانفتاح، بينما تُمارس الاستبداد داخل تنظيمها وهذا الانفصام يُفقدها الشرعية الأخلاقية قبل السياسية، ويجعل كل خطابها العام مكشوفًا وضعيفًا.
غياب الديمقراطية لا يُقصي الأفراد فقط، بل يُقصي الأفكار أيضًا ويُغلق الباب أمام التجديد، ويمنع ظهور رؤى جديدة وفي النهاية، يصبح الحزب كيانًا مترهّلًا، عاجزًا عن الفعل، لا يرى الواقع، ولا يسمع الناس، ولا يُعبّر إلا عن ذاته المنعزلة فيتشبث بنفس الأدوات ونفس الأشخاص، حتى وإن تغيّر الزمان وتبدلت الظروف.
الأسوأ من كل ذلك أن هذه الممارسات لا تبقى حبيسة الجدران الحزبية، بل تُرسل رسائل سلبية إلى الرأي العام فالناس تراقب وترى ما يحدث وتفهم بسرعة أن هذه الأحزاب ليست منصات للتغيير، بل مجرد شبكات مصالح وعندما تفقد الناس ثقتها في الأحزاب، تفقد في نفس الوقت إيمانها بالسياسة كوسيلة للتغيير وهنا تبدأ أخطر مراحل الانفصال بين الشارع والنخب، بين الواقع والخطاب.
من هنا، فإن إنقاذ الحياة الحزبية يبدأ بإعادة الاعتبار للديمقراطية الداخلية بأن يشعر العضو أن صوته مسموع، وأن فرصه متساوية، أن الحزب ملكٌ للجميع لا لفئة واحدة، أن النقد لا يُقابل بالعقاب، وأن الخلاف لا يعني العداء فالحزب الحيّ هو الحزب الذي يُنتج ذاته من داخله، لا الحزب الذي يعيش على الذكريات والولاءات القديمة.
الحزب الذي لا يتجدد يموت، حتى وإن بقي اسمه على اليافطات والتجدد لا يأتي إلا من فتح النوافذ والأبواب، من الشفافية، من احترام العقل لا التبعية، من إشراك الجميع لا استبعادهم، ومن الاعتراف بأن الديمقراطية ليست خطرًا يجب التحايل عليها، بل فرصة يجب احتضانها.
في نهاية المطاف، الحزب ليس مبنى، ولا لافتة، ولا تاريخًا فقط فالحزب هو أعضاءه، هو قواعده، هو شبابه، هو المختلفون فيه قبل المتفقين وإن لم يُدار بهذه العقلية، فلن يكون أكثر من كيان شكلي ينتظر نهايته البطيئة.
إن من يختطف الديمقراطية داخل الحزب، يختطف المستقبل بأكمله فيقتل الفكرة من أساسها، ويحرم المجتمع من صوت كان من المفترض أن يكون حرًا ومؤثرًا ولذلك، فإن المعركة من أجل الديمقراطية الحقيقية يجب أن تبدأ من داخل البيوت السياسية نفسها، لا من خارجها.
الكاتب من الأردن