فادي السمردلي يكتب: تأبط فرصةً لُصوص النجاحات
بقلم: فادي زواد السمردلي ….
#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتتشابك فيه المصالح، لم يعد النجاح محصورًا بالعرق والاجتهاد وحدهما، بل غدا مرهونًا بالقدرة على الظهور والتموضع، بل وحتى التسلل خلف الستائر ليقطف المرء ما لم يزرع وهنا يظهر “تأبط فرصة”، ذاك الذي يترصّد كل لحظة ضعف أو غياب ليبني من تعب الآخرين سلمًا يصعد به نحو الضوء فهو لا يملك صبر الزراعة ولا يعرف مرارة السهر، لكنه يعرف كيف يتقن لحظة الظهور، ويجيد سرقة البريق من حوله، وكأنه يعيش فقط ليقتات على ما أنجزه غيره.
سرقة النجاحات لا تبدأ فجأة كما يُخيّل للبعض، بل هي عملية بطيئة أشبه بالعفن الذي يتغلغل في الجدران بصمت. في البداية تكون الملاحظة صغيرة زميل يتبنّى فكرة ليست له، يعيد صياغتها بكلمات مختلفة، ويقدّمها وكأنها من وحي إلهامه ومع مرور الوقت، يكبر الطموح ويزداد الجشع، فيتحول السلوك العرضي إلى أسلوب حياة، وإلى مهارة احترافية يتقنها صاحبها بحنكة فتراه يختفي أثناء ساعات العمل الجاد، لكنه يظهر في لحظة التصوير أو التكريم، يبتسم للكاميرا، ويتصدّر الصفوف الأولى بينما يقف أصحاب الإنجاز الحقيقي في الظل.
ما يجعل هذه الظاهرة أكثر خطورة ليس وجود هؤلاء المتسلقين وحدهم، بل المناخ الذي يسمح لهم بالنمو والتمدد فالبيئات غير الناضجة، التي تفتقد التوثيق، وتكافئ الأصوات العالية على حساب الجهود الصامتة، هي التربة الخصبة للانتهازية وحين تتحول المنظومات إلى منصات للعرض لا للعمل، وإلى مسارح للخطابات الرنانة بدل أن تكون ساحات للإبداع والإنتاج، يصبح من السهل على “تأبط فرصة” أن يلمع، لا لأنه يستحق، بل لأنه يبيع الوهم على أنه إنجاز. وهنا يُروّج لفكرة أن النتيجة أهم من الطريقة، متناسيًا أن الطريق المزوّر مهما بدا براقًا، لا يقود إلا إلى زيف مؤقت.
الأثر النفسي لهذه الممارسات يتجاوز الأفراد إلى المنظومة بأسرها والموظف أو العضو المجتهد، حين يرى ثمرة جهده تُقطف بيد غيره، يشعر باللاجدوى، وقد ينسحب بصمت، أو يتبنى موقفًا سلبيًا يجعله أقل اندفاعًا للعطاء فالمبدع قد يختار كتمان أفكاره خوفًا من أن تُسرق، فيتحول الإبداع إلى بضاعة نادرة في بيئة تخنق المبدعين وتلمّع المتسلقين أما روح الفريق، فسرعان ما تتآكل تحت ضغط الشكوك والتنافسية السلبية، لتغدو العلاقات ساحة صراع صامتة بدل أن تكون أرضًا خصبة للتكامل والتعاون.
إن مواجهة هذه الظاهرة لا تحتاج إلى ضجيج ولا إلى معارك شخصية، بل تبدأ بالوعي على كل فرد أن يوثق جهوده، وأن يعلن عن مساهماته بثقة، دون أن يختبئ خلف تواضع مبالغ فيه يسمح للآخرين بسرقة الضوء منه وعلى المؤسسات أن تتحمل مسؤوليتها في إعادة النظر إلى آليات التقييم والاعتراف، وأن تنصت جيدًا إلى الأصوات الخافتة التي تقف خلف الإنجازات الكبيرة فمكافأة “تأبط فرصة” ليست ظلمًا لفرد بعينه فقط، بل هي خيانة للمنظومة كلها، وتدمير بطيء لأي بيئة تطمح للاستدامة والابتكار.
في النهاية، قد يصعد سارق الفرص بسرعة ويبدو لامعًا في الأفق، لكنه صعود هشّ، ليس أكثر من فقاعة سرعان ما تنفجر عند أول اختبار حقيقي وأما من يزرع بإخلاص ويجتهد بصمت، فقد يتأخر بريقه قليلًا، لكنه بريق صادق، عميق، ودائم. وبين “تأبط شرًّا” في موروثنا الأدبي و”تأبط فرصةً” في حاضرنا الاجتماعي والمهني، لا فرق في الحيلة والدهاء، وإن اختلفت الأدوات والوسائل.
ويبقى هذا الكلام توصيفًا لحالة عامة، لا يقصد به شخص بعينه ولا واقعة محددة، بل قراءة لظاهرة يراها كثيرون حولهم في أشكال مختلفة، كلٌّ من موقعه وتجربته.