فادي السمردلي يكتب:فلم الهلفوت الأفراد في مقصلة المنظومات
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
يقدّم فلم الهلفوت، ببطله البسيط المهمّش الذي يبحث عن مكان له في الحياة، أكثر من مجرد قصة درامية ممتزجة بالكوميديا السوداء فهو يفضح بجرأة كيف يُسحق الأفراد تحت وطأة قادة المنظومات الذين يفرضون سلطتهم بذكاء بارد، ويحوّلون حياة الإنسان إلى مسرح عبثي تتحكم فيه قراراتهم وحدهم فالهلفوت ليس شخصية عابرة في السينما المصرية، بل هو صورة مكثفة للإنسان العادي حين يجد نفسه في مواجهة منظومات ضخمة يقودها نفر لا يرون في الناس سوى أدوات لخدمة بقاء سلطتهم.
القادة في الفلم – كما في الواقع – ليسوا مجرد أشخاص عاديين يقومون بوظائفهم، بل هم الماسكون بمفاتيح اللعبة فهم من يقررون كيف تبدأ الحكاية، وأين تنتهي، ومن يُرفع ومن يُسقط ففي ظلهم، لا يصبح الفرد سيد قراره، بل تابعاً مطيعاً لمسارات صيغت مسبقاً وهذا هو جوهر الدكتاتورية التي يمارسها القادة التحكم الخفي والظاهر في كل تفصيلة، حتى لا يبقى للإنسان خيار سوى الخضوع أو السقوط.
الهلفوت، ببراءته وعجزه، لم يسقط لأنه فشل فردياً أو ارتكب خطأ شخصياً، بل سقط لأن القادة الذين يديرون المنظومات أرادوا له ذلك فلقد استُغل ضعفه ليؤدي دوراً محدداً، ثم أُزيح جانباً بلا رحمة عندما انتهت الحاجة إليه هذا المشهد الرمزي يكشف كيف يعمل قادة المنظومات في المجتمعات.يستهلكون الأفراد، يفرغونهم من قيمتهم، ويتركونهم يواجهون مصائرهم وحدهم إنهم لا يرون البشر كذوات لها حقوق وكرامة، بل كقطع غيار قابلة للاستبدال.
والمأساة الكبرى أن القادة يمارسون دكتاتوريتهم بطريقة تجعلها تبدو طبيعية. فهم يتوارون خلف القوانين، خلف لغة النظام والانضباط، وخلف أقنعة المسؤولية ولكن في العمق، هم من يصنعون القرارات التي تعصف بحياة الناس، هم من يرسمون الطرق التي لا تقود إلا إلى الانكسار، وهم من يقررون متى يُستخدم الفرد ومتى يُلغى وجوده فهذه السلطة ليست مجرد قوة إدارية، بل استبداد شامل يسرق من الإنسان حريته وإرادته وكرامته.
الفلم يضعنا أمام حقيقة لا يمكن إنكارها سقوط الأفراد ليس حدثاً عشوائياً، بل نتيجة حتمية لهيمنة قادة مستبدين يحتكرون الرؤية ويمنعون المشاركة فالقادة هنا هم الجدار السميك الذي يحول بين الإنسان وبين فرصته في العيش الكريم فكلما حاول أن ينهض، يجد قراراتهم تجرّه إلى الأسفل فكلما أراد أن يرفع صوته، يواجه بجدار الصمت الذي يفرضونه وكلما حلم بأن يعيش كإنسان طبيعي، يصطدم بواقع أنهم قد حددوا سلفاً دوره ومصيره.
الخطر الحقيقي لا يكمن في المنظومات بحد ذاتها، فوجودها ضرورة لتنظيم المجتمعات، بل في دكتاتورية القادة الذين يسيطرون عليها. هؤلاء القادة لا يعرفون معنى القيادة بوصفها خدمة ومسؤولية، بل يمارسونها كاستحواذ واستعباظ إنهم لا يكتفون بامتلاك القرار، بل يزرعون شعوراً بالعجز داخل نفوس الأفراد، حتى يفقدوا القدرة على الرفض وبذلك، يتحول المجتمع بأكمله إلى ساحة صامتة يديرها قادة لا يُحاسبون، بينما يُترك الأفراد يتجرعون مرارة السقوط.
فلم الهلفوت، وإن بدا في ظاهره كوميدياً، هو مرآة عميقة تكشف عن هذا الجرح. إنه يعرّي آليات الدكتاتورية الناعمة التي يمارسها قادة المنظومات: الاستغلال، التهميش، والإقصاء. يكشف كيف يمكن أن تُحوّل السلطة إلى آلة طحن لا تبقي شيئاً من إنسانية البشر وبقدر ما يثير الضحك أحياناً، فإنه يثير الغضب والمرارة، لأنه يفضح بوضوح أن القادة هم أصل المأساة، وأن الأفراد ليسوا سوى ضحايا في لعبة لا يملكون فيها سوى الخضوع.
إن ما يقدمه الفلم ليس مجرد نقد اجتماعي أو تصوير درامي، بل شهادة على أن دكتاتورية القادة تظل الخطر الأكبر على كرامة الإنسان فحين يتحول القادة إلى طغاة يختبئون خلف المنظومات، فإن النتيجة الحتمية هي سقوط الأفراد، وتفتت المجتمع، وضياع المعنى الإنساني للحياة.
وفي الختام، لابد من التوضيح بأن هذا المقال يتناول الفلم وما يعكسه من رمزية عامة حول قادة المنظومات ودورهم في سحق الأفراد، ولا يقصد به أي جهة أو شخص بعينه، بل هو قراءة فكرية نقدية تستهدف الظاهرة بوصفها جزءاً من واقع إنساني متكرر.
الكاتب من الأردن