فادي السمردلي يكتب: صعقة الحقيقة تُسقط الأوهام

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

الصعقة والصفعة ليستا مجرد كلمتين عابرتين في قاموس اللغة، بل هما صورتان مكثفتان لانكشاف الحقيقة حين تفرض نفسها بلا استئذان فالصعقة أشبه بالتيار الخاطف الذي يعبر الجسد فيشلّ الحركة لبرهة، يربك الفكر، ويجمد اللحظة في مكانها، فلا يعود هناك فرق بين القوي والضعيف، ولا بين من اعتاد السيطرة ومن عاش مهمشاً فالجميع أمام الصعقة متساوون في الذهول أما الصفعة فهي اليد التي تترجم هذه الصدمة إلى أثر ملموس، صفعة تقطع الاسترسال الوهمي، وتترك علامة حمراء على الوجه، علامة لا يمكن إنكارها ولا محوها بسهولة فكلاهما، الصعقة والصفعة، ليستا مجرد أحداث آنية، بل هما عملية تطهير قاسية، تمزق الحجاب الرقيق الذي يحجب هشاشة المنظومات وادعاءاتها.

حين نسقط هذه الثنائية على المنظومات بمختلف أنواعها، نكتشف أن بنيتها في الغالب مشيدة على توازنات هشة، محاطة بهالة مصطنعة من الثبات والرسوخ فالمنظومات، بطبيعتها، تميل إلى تضخيم ذاتها، وتصدير صورة القوة والديمومة، حتى يبدو للمتلقي أنها غير قابلة للاهتزاز أو السقوط ولكنها في جوهرها تعيش في دوامة من التكرار، تستهلك خطابها وتعيد إنتاجه حتى يظن القائمون عليها أنهم بمنأى عن المفاجآت وهنا تأتي الصعقة فأزمة غير محسوبة، خطأ قاتل، أو لحظة وعي جماعي تفجر التناقضات وتضع الجميع أمام مرآة الواقع فالصعقة لا تستأذن، ولا تمنح فرصة لترميم الصورة إنها الانفجار الأولي الذي يفضح المستور.

بعد الصعقة، لا مفر من الصفعة فالصفعة قد تكون غضب الجماهير، أو انهيار البنية الداخلية، أو حتى انكشاف العجز أمام التحديات إنها اللحظة التي تتحول فيها الصدمة إلى فعل مادي، فعل يهوي بقسوة على وجه المنظومة، فيمزق قناعها الزائف ويضعها في حجمها الطبيعي فالصفعة تحمل في طياتها معنى العقوبة، وكأنها يد التاريخ حين يقرر أن يُسكت الوهم المتراكم، أو يد الواقع حين يرفض استمرار العبث ومن هنا تصبح الصفعة أكثر إيلاماً من الصعقة، لأنها ليست مجرد إدراك داخلي أو اهتزاز فكري، بل عقوبة محسوسة، صدام لا مفر من نتائجه.

المنظومات التي لا تتعلم من الصعقات ولا تتواضع أمام الصفعات، تكرر مصيرها بنفسها فهي تدخل في دائرة إنكار، تعيد بناء نفس الأوهام التي سقطت من قبل، حتى يأتيها التيار من جديد ويصفعها التاريخ مرة أخرى، ربما بعنف أشد فهذه الحركة الدائرية تكشف أن الصعقة والصفعة ليستا نهايتين، بل محطات متكررة في مسار الحياة العامة وإنهما أشبه بجرس إنذار يتكرر حتى يسمعه من يصرّ على الصمم، أو صفعة متكررة حتى يدرك من يهوى المكابرة أن الكبرياء لا يحمي من الوقوع.

ما يجعل الصعقة والصفعة أكثر قسوة على المنظومات هو أنهما يأتيان عادة من خارج حساباتها فالمنظومات ماهرة في بناء الجدران العالية، وفي إنتاج آليات دفاعية معقدة، لكنها تفشل دوماً في مواجهة ما لا يمكن توقعه، وما لا يدخل في حساباتها الباردة فالصعقة إذن هي لحظة دخول المفاجئ، غير القابل للاستيعاب، بينما الصفعة هي الانكسار أمام هذا المفاجئ وحين يتكرر هذا المشهد، لا تعود المنظومة كما كانت، ولو استمرت في الوجود تبقى عليها ندوب، وتظل صورتها مهشمة مهما حاولت إعادة طلائها.

إن الصعقة والصفعة ليستا أدوات هدم فقط، بل هما أيضاً بداية إعادة تشكل فالمنظومة التي تتواضع أمام صدمتها وتتعلم من صفعتها، ربما تولد من جديد أكثر واقعية وأقل غروراً أما التي ترفض الاعتراف وتستسلم لغطرستها، فإنها تتحول إلى هيكل أجوف ينتظر الانهيار الكامل وهكذا تصبح الصعقة والصفعة بمثابة المحك الحقيقي لجدوى أي منظومة فهل هي قادرة على امتصاص الألم وتحويله إلى وعي، أم أنها مجرد فقاعة تنتظر لحظة الانفجار؟

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا