فادي السمردلي يكتب: الضمان الاجتماعي في الأردن بين الترقب والرهان على الاستدامة

بقلم فادي زواد السمردلي  ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

يُنظر إلى نتائج الدراسة الاكتوارية الجديدة للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، المنتظر صدورها نهاية أيلول، بوصفها محطة مفصلية في مسيرة منظومة الحماية الاجتماعية بالأردن فهذه الدراسة لا تقتصر على فحص الجوانب المالية للمؤسسة، بل تتجاوزها لتشكل مرآة تكشف ملامح المستقبل، وما إذا كانت التشريعات والسياسات الحالية قادرة على مواكبة التحديات الديموغرافية والاقتصادية المتسارعة.

الضمان الاجتماعي ليس مجرد صندوق يوفر رواتب تقاعدية، بل هو منظومة متكاملة للأمان الاجتماعي، مرتبطة بشكل وثيق بالاستقرار السياسي والاقتصادي وفي بلد مثل الأردن، حيث يشكل الشباب النسبة الأكبر من السكان، ويواجه سوق العمل تحديات هيكلية من بطالة مرتفعة وتوسع في قطاع غير منظم، تصبح نتائج هذه الدراسة حاسمة فهي ستحدد ما إذا كان الصندوق قادراً على استيعاب هذه المتغيرات، أو أنه بحاجة لإصلاحات جوهرية في بنيته وقوانينه.

من زاوية المواطن، تشكل الدراسة لحظة حساسة لأنها قد تمس بصورة مباشرة حقوقه ومكتسباته فكثير من الأردنيين ينظرون إلى الضمان الاجتماعي كشبكة أمان وحيدة تضمن لهم دخلاً بعد التقاعد أو في حالات العجز، وهو ما يجعل أي تعديل محتمل في سن التقاعد أو نسب الاشتراكات أو المنافع التقاعدية موضوعاً مثيراً للقلق والجدل.لذلك فإن شفافية المؤسسة في الإعلان عن النتائج وتوضيح مبررات أي تعديل ستكون عاملاً أساسياً في الحفاظ على الثقة الشعبية.

أما بالنسبة للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، فإن الدراسة توفر قاعدة بيانات علمية دقيقة تتيح لها التخطيط بعيد المدى فالتحدي الحقيقي هنا يكمن في كيفية ترجمة نتائج الدراسة إلى سياسات عملية تحقق التوازن بين استدامة الصندوق من جهة، وعدم إرهاق المشتركين وأصحاب العمل بأعباء إضافية من جهة أخرى كما أن الدراسة قد تفتح الباب أمام إعادة النظر في سياسات الاستثمار، إذ أن تنويع مصادر العائد وضمان إدارتها بكفاءة وشفافية يشكلان ركيزة أساسية لتعزيز الاستقرار المالي للمؤسسة.

على المستوى الوطني، ترتبط استدامة الضمان الاجتماعي مباشرة بالقدرة على تحقيق التنمية المستدامة فأي اهتزاز في قدرة الصندوق على الوفاء بالتزاماته ستكون له انعكاسات خطيرة على المجتمع، من زيادة نسب الفقر إلى تراجع الثقة بالدولة ومؤسساتها بالمقابل، فإن ضمان استمرارية الصندوق يرسخ الاستقرار الاجتماعي، ويشجع بيئة الأعمال، ويعزز العدالة بين الأجيال من خلال توزيع الأعباء والفوائد بشكل متوازن.

وارى بان هناك رسائل وتوصيات مهمة على سبيل المثال لا الحصر :

أولاً، على الحكومة أن تنظر إلى نتائج الدراسة ليس فقط من زاوية مالية ضيقة، بل ضمن رؤية شمولية تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والسياسية فأي إصلاحات مطروحة يجب أن تُدار بحوار وطني واسع يضم النقابات والقطاع الخاص والخبراء والمجتمع المدني، لضمان أن التغييرات تنسجم مع مصالح مختلف الأطراف.

ثانياً، على المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي أن تعزز من نهجها القائم على الشفافية والافصاح فالمواطنون بحاجة إلى معرفة الحقائق كما هي، بعيداً عن الغموض أو التطمينات العامة كما أن توسيع قاعدة المشتركين عبر إدماج العاملين في القطاع غير المنظم سيشكل خطوة استراتيجية تعزز إيرادات الصندوق وتمنح المزيد من الأردنيين مظلة الحماية.

ثالثاً، على المواطنين أن يدركوا أن الضمان الاجتماعي ليس مجرد خدمة يتلقونها، بل هو عقد اجتماعي يقوم على المشاركة. فالاشتراكات التي يدفعونها اليوم تشكل أساس حماية الأجيال المقبلة، تماماً كما اعتمد الجيل الحالي على مساهمات من سبقهم ومن هنا تبرز أهمية الالتزام بالاشتراك، ومقاومة ظاهرة التهرب التأميني، والمطالبة بتطوير منظومة الضمان لا بإضعافها.

وختاما إن صدور نتائج الدراسة الاكتوارية المقبلة لن يكون مجرد حدث عابر في المشهد الاقتصادي، بل نقطة انعطاف قد تعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن في ملف الحماية الاجتماعية والرهان الأكبر يكمن في تحويل هذه النتائج إلى فرصة لتعزيز الثقة، وترسيخ العدالة بين الأجيال، وضمان أن يبقى الضمان الاجتماعي صمام أمان حقيقياً في وجه التحديات الاقتصادية والاجتماعية القادمة.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا