فادي السمردلي يكتب: من الخسارة إلى الفعل كيف تعيد الأحزاب بناء حضورها المجتمعي
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
في عالم السياسة، لا يمكن قياس النجاح فقط بعدد المقاعد المحصّلة في البرلمان، بل بالحضور المستمر وفي الوعي الجمعي، وبالقدرة على التأثير في الرأي العام، وبالمساهمة الفعلية في تشكيل مستقبل الدولة والمجتمع ومن هنا، يجب أن يكون واضحًا لكل حزب سياسي أن الفشل في الوصول إلى البرلمان لا يعني النهاية، ولا يجوز أن يكون مبررًا للانزواء أو التقوقع أو الوقوف في صفوف المتفرجين، بل على العكس، إنها اللحظة التي يجب أن تُحوَّل إلى نقطة انطلاق جديدة، أكثر وعيًا، أكثر نضجًا، وأكثر استعدادًا لبناء مسار طويل من الفعل الوطني الواعي والمسؤول.
إن الحزب الذي يؤمن بقدراته، المبنية على أسس واقعية وبرامج حقيقية تستجيب لهموم الناس وتلامس طموحاتهم، لا يقبل بالاستسلام وهذا النوع من الأحزاب لا يسمح للهزائم الانتخابية بأن تقرر مصيره، بل يتخذ منها درسًا عميقًا يعيد من خلاله ترتيب أولوياته، ويعزز صلته بالجمهور، وينهض من جديد أكثر قوة ووضوحًا ففي المشهد السياسي المتحرك، ليس المطلوب فقط تحقيق النتائج، بل صناعة الأثر، وترك بصمة لا تُمحى في وعي الناس وثقتهم، وهذه لا تتحقق إلا من خلال الإصرار المستمر على تقديم خطاب واقعي، يحمل رؤية واضحة وخططًا قابلة للتطبيق.
إن تحديث المنظومة السياسية لا يبدأ فقط من قبة البرلمان، بل من كل مبادرة سياسية واعية، ومن كل حزب يؤمن أن دوره يتجاوز الفوز في الانتخابات إلى بناء بيئة سياسية صحية تُحفز التعددية، وتُعلي من شأن الحوار، وتعيد الثقة إلى الحياة الحزبية في المجتمع فالأحزاب، بوصفها أداة تنظيمية وفكرية، هي المعنية أولًا بفتح نوافذ الأمل أمام المواطنين، وهي المسؤولة عن بلورة البدائل التي تعبّر عن واقع الناس وتطلعاتهم لذلك، فإن الخطوة الأولى التي ينبغي أن تنطلق منها الأحزاب بعد أي تعثر انتخابي، هي مراجعة برامجها بعمق وجرأة، والبحث في مدى ملاءمتها للواقع، وجاذبيتها لجمهور الناخبين، وصدق تمثيلها لهموم الفئات المختلفة في المجتمع.
ولا بد أن ندرك أن التحديث السياسي الحقيقي لا يكون بلا تحديات، ولا يمكن أن يُختصر في قرارات سطحية أو تغييرات شكلية فالبدايات الصعبة والتعثرات المؤقتة هي سمة أساسية لكل تحوّل حقيقي، وهذا ما يتطلب من الأحزاب أن تتحلى بالصبر والعزيمة، وأن تبقى حاضرة في قلب المجتمع، تعمل، تشرح، تبادر، وتصنع الفرص من رحم الأزمات وعندما يرى الناس حزبًا لا ينكسر رغم الخسارة، بل يزداد إصرارًا على الحضور، ويمضي قدمًا في تطوير أدواته وخطابه، فإن ثقتهم فيه ستتعمق، وسينظرون إليه لا كأداة انتخابية، بل كمرجعية سياسية ووطنية ذات مصداقية.
الأحزاب التي تريد البقاء والنمو، والتي تسعى بصدق إلى الإصلاح، لا تكتفي برد الفعل، بل تبادر بالفعل وتعيد تشكيل صفوفها الداخلية، تفتح أبوابها أمام الكفاءات، وتنخرط بعمق في قضايا الناس، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح المرحلية.فهذه اللحظة السياسية التي تشهدها مجتمعاتنا – لحظة وعي، وتحول، وإعادة نظر في الكثير من المسلمات – تشكّل فرصة ذهبية لمن يملك الجرأة على التغيير والقدرة على التجديد.
وبالتالي، فإن الحزب الذي لا يستسلم أمام الفشل، ولا يفقد بوصلته في زحمة التحديات، هو الحزب القادر على الاستمرار والتأثير والمساهمة الحقيقية في بناء وطن ديمقراطي متوازن وهو الحزب الذي يختار أن يكون جزءًا من الحل لا متفرجًا على المشهد، يزرع الأمل في زمن الإحباط، ويعيد للناس ثقتهم في السياسة كوسيلة تغيير لا مجرد صراع على المناصب.
فلتكن الخسارة بداية، لا نهاية ولتكن نقطة الانطلاق نحو رؤية حزبية جديدة، أكثر تجذرًا في الواقع، وأعمق تأثيرًا في المستقبل.
الكاتب من الأردن