القهر يتحول إلى وهم

محي الدين غنيم   …..

 

القهر الذي تعيشه الشعوب العربية لم يعد مجرد واقع مرير، بل أصبح مادةً تعاد صياغتها وتزييفها حتى تتحول في وعي الناس إلى وهمٍ مموَّه. فالقهر الحقيقي هو ذاك الذي يفرضه الاستبداد، القمع، الاحتلال، الفقر، والحرمان، لكن ما أخطر أن يتدخّل الإعلام المخادع ليغسل العقول، فيحول صورة القهر إلى مشاهد مزيفة من رضا وإستقرار  وإنجازات وهمية لا وجود لها على الأرض.

لقد أُتقن فن صناعة الوهم حتى أصبح المواطن المقهور يظن أن معاناته قدر محتوم أو ثمن لا بد أن يدفع من أجل الأمن أو الوحدة الوطنية. وهكذا، يتم تسويق الخطاب الإعلامي ليغطي على فشل الأنظمة، فيختفي الحديث عن الفقر والبطالة والظلم، ويُستبدل بأغاني وطنية، وحفلات دعائية، وبرامج تبث التفاهة وتُغيب الوعي.

إن الإعلام المخادع يروج صورة الحاكم كمنقذ وحامٍ، ويُلبس الفقر ثوب الصبر والاستبداد ثوب الحكمة، والخذلان ثوب الواقعية. وبذلك، يتم تحويل القهر الجمعي إلى وهمٍ فردي يعيشه الناس كأنه حقيقة طبيعية لا جدال فيها. بينما الواقع يقول إن الشعوب تُحرم من حقوقها الأساسية، ويُحاصر وعيها، وتُسلب إرادتها باسم شعارات رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع.

تحويل القهر إلى وهم هو أخطر أشكال الاستبداد، لأنه لا يكتفي بممارسة الظلم، بل يسعى إلى تجميله وإعادة تدويره في الوعي العام حتى يتقبله الناس. فإذا فقدت الشعوب إدراكها بحقيقة ما يجري، أصبحت عاجزة عن التغيير، خانعة لأوهامٍ صُنعت لها بعناية، من نشرات الأخبار وحتى مواقع التواصل الاجتماعي.

الخطر الحقيقي اليوم ليس في القهر نفسه، بل في عملية خداع الوعي التي تحوله إلى قدرٍ جميل أو وهمٍ مريح .

فإدراك الحقيقة هو أول خطوة نحو التحرر، أما الاستسلام للوهم فليس إلا تكريسًا لسلاسل القهر التي تكبل الأمة.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا