فادي السمردلي يكتب:لا تنتقد العباءة الصينية وأنت ترتديها

بقلم فادي زواد السمردلي  ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

كثيرًا ما نسمع في المجالس أو نقرأ في الصفحات كلمات تحمل في ظاهرها النصح والإرشاد، لكنها في حقيقتها تفضح تناقضًا كبيرًا لدى أصحابها فلا تنقدوا العباءة الصينية وأنتم ترتدونها، فليس من المنطق أن يعيب الإنسان أمرًا وهو واقع فيه، ولا أن يسخر من عادة أو سلوك بينما هو نفسه متلبس بها لسنوات طويلة حتى صارت مألوفة له فالنقد إن لم يكن نابعًا من صدق داخلي ورغبة حقيقية في الإصلاح، فإنه يتحول إلى مجرد اتهام للآخرين وتبرئة للذات دون وجه حق.

الإنسان قد يخطئ، وقد يضعف، وهذا أمر طبيعي في الحياة، لكن غير الطبيعي أن يُنصّب نفسه قاضيًا على غيره وهو يعلم أن له من العيوب ما يكفيه، وربما أكثر مما يراه عند الآخرين. من الحكمة أن يبدأ كل فرد من داخله، فيرى نفسه أولًا قبل أن يمد عينه أو لسانه إلى غيره.فالذي يلبس العباءة الصينية ليس من العدل أن يعيب على غيره ارتداءها، لأنه بذلك يضع نفسه في موضع التناقض وهذا التناقض يضعف قيمة النقد ويجعله أقرب إلى السخرية منه إلى الإصلاح.

كم من أشخاص نراهم يكثرون من الكلام عن الأخلاق والصدق والوفاء، لكن أفعالهم لا تعكس ما يقولون وربما نجد من يلوم الناس على الإسراف والتبذير بينما هو أول من ينفق بغير حساب وآخر يعيب على غيره ضعف الالتزام، بينما حياته الشخصية أبعد ما تكون عن الانضباط فهذه المفارقات تضعف ثقة المجتمع في الخطاب العام، وتجعل الناس ينظرون بعين الريبة إلى كل نصيحة تأتيهم ممن لا يطبقها على نفسه.

إننا بحاجة إلى وعي مختلف في التعامل مع عيوب الآخرين، يقوم على التواضع قبل كل شيء.فالذي يرى خطأ عند غيره، عليه أن يتذكر أنه بشر مثلهم، وأنه ليس بعيدًا عن الوقوع في مثل ما وقعوا فيه. وحين يتحدث عن النقد أو يقدم النصيحة، فليجعلها من باب المشاركة في البحث عن الصواب، لا من باب التعالي أو الإدانة. لأن النقد إذا لم يكن ممزوجًا بالرحمة، فإنه يتحول إلى جرح يترك أثرًا سيئًا أكثر مما يترك أثرًا إيجابيًا.

ولا يعني ذلك أن نصمت عن الأخطاء أو نغض الطرف عن العيوب، بل المقصود أن يكون نقدنا بنّاءً، صادقًا، يبدأ من الذات قبل أن يُوجّه إلى الآخرين.فإذا كان الإنسان يعترف بعيوبه ويعمل على إصلاحها، فإن حديثه عن أخطاء الآخرين سيكون أكثر قبولًا وأقرب إلى قلوبهم أما إذا كان يتجاهل ما فيه من عيب ويصر على أن يظهر في صورة الناصح المثالي، فلن يكون لكلامه وزن ولن تحظى نصيحته بالاحترام.

المجتمعات لا تنهض بالنقد الجارح ولا بالتشهير، بل بالصدق مع النفس أولًا ثم مع الغير. وحين يكون كل فرد مسؤولًا عن إصلاح نفسه قبل الانشغال بغيره، فإننا سنجد أن مساحة النفاق والتناقض تضيق، وأن الكلام عن القيم والأخلاق يعود له وزنه الحقيقي فالعبرة ليست في رفع الشعارات، وإنما في أن تكون حياتنا انعكاسًا صادقًا لما نقول.

إن عبارة “لا تنقدوا العباءة الصينية وأنتم ترتدونها” تحمل في جوهرها دعوة بسيطة وعميقة فلا تعيبوا على الناس ما أنتم فيه، ولا تجعلوا من النقد وسيلة لتغطية عيوبكم بل اجعلوا من كل عيب ترونه عند غيركم مرآةً تذكركم بأنكم أيضًا في حاجة إلى إصلاح، وأن الطريق إلى التغيير يبدأ دائمًا من الداخل.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا