فادي السمردلي يكتب : السعي للإقصاء بعد النجاح يعني أن الوعي أرعبهم وأربكهم
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
أن لا تترك من يحاول احتكار القرار والاختيار يمرّ بهدوء، ليس مجرد موقف لحظي أو ردّ فعل عابر، بل هو تعبير عميق عن وعيٍ جمعيّ يرفض أن يُقاد من خلف الستار فالصمت أمام من يسعى إلى تقييد القرار بيد قلةٍ من الأشخاص، يحوّل الجماعة إلى جمهورٍ تابع، لا دور له سوى التصفيق أو التبرير، ويجعل من فكرة الشراكة والوطنية والمصلحة العامة شعاراتٍ جوفاء بلا مضمون فإن المواجهة هنا ليست نزوةً شخصية، بل واجب أخلاقي تجاه الذات وتجاه الآخرين، لأن كل قرارٍ يُحتكر هو خطوة نحو الإقصاء، وكل اختيارٍ يُفرض دون نقاش هو ضربة لحقّ الإنسان في أن يكون فاعلاً في محيطه لا مجرّد مُنفّذٍ لإرادة غيره.
من يسعى لاحتكار القرار لا يفعل ذلك عبثاً، بل لأن الخوف يسكنه. الخوف من النقد، من البديل، من الوجوه الجديدة، من العقول التي قد تأتي بعده وتكشف ضحالة ما يقدمه لذلك فإن هدفه ليس فقط السيطرة، بل أيضاً الإقصاء الممنهج لكل من يمكن أن ينافسه أو يفضح هشاشته ولهذا، لا يمكن السماح له بأن يمرّ بهدوء أو أن يتسلل إلى مواقع القرار من دون مواجهة واعية فالمواجهة، حتى إن لم تحقق نجاحها الكامل في المرة الأولى، تكشف الكثير تكشف النيات، تفضح الأقنعة، وتُظهر للعيان من كان يتحدث باسم المصلحة العامة وهو في الحقيقة لا يرى أبعد من حدود مصلحته الشخصية أو مصالح جماعته الضيقة.
التحرك ضد هؤلاء لا يجب أن يُقاس بنتيجة فورية، بل بمدى قدرته على تحريك الوعي الجمعي وكسر حاجز الخوف فالمنظومات أو المجموعات التي تقوم على الإقصاء تحتاج دوماً إلى بيئة صامتة وخانعة لتعيش، أما حين يرتفع الصوت ولو لمرة واحدة، فإنها تبدأ بالتصدع لهذا، حتى الفشل الظاهري في المواجهة الأولى هو في ذاته نجاح، لأنه يزعزع ثقتهم بأنفسهم ويكسر هيبتهم المصطنعة ومن خلال هذا الفعل، تتعرى الحقائق أمام الجميع، ويصبح الاحتكار فعلاً مكشوفاً لا يمكن تغطيته بادعاءات الحكمة أو الخبرة أو الشرعية.
أما حين يتحقق النجاح، وحين يتمكن الناس من استعادة مساحة القرار أو المشاركة فيه، فإن ذلك يربك المحتكرين إلى حدّ الرعب فهم لم يعتادوا أن يُسألوا أو يُحاسَبوا، ولم يتوقعوا أن تأتي لحظة يُفرض عليهم فيها التنازل عن امتيازاتهم فالنجاح هنا لا يعني فقط الانتصار في معركة، بل إعلان ولادة وعيٍ جديد يضع الحدود بين السلطة والمسؤولية، بين القرار الفردي والإرادة الجماعية وحين تصل الأمور إلى هذه النقطة، يبدأ المحتكرون في تنفيذ خطط الإقصاء والانتقام فسيحاولون تشويه الصورة، وإعادة رسم المشهد ليظهروا كضحايا، أو سيسعون لتقسيم الصف وتشتيت الموقف ولكن هذه المحاولات لا تعني سوى شيء واحد أنك أرعبتهم.
حين يلجأ من كان متحكماً إلى الكيد بعد أن فقد السيطرة، فذلك دليل على أن ميزان القوة قد تغيّر. لقد أدرك أن سلطته لم تعد مطلقة، وأن القرار لم يعد رهينة بيد فئة واحدة فهذا الخوف هو انتصار بحد ذاته، لأنه يُظهر أن المواجهة قد بلغت أثرها الحقيقي، ليس فقط في السطح، بل في عمق البنية التي طالما اعتمدوا عليها فمحاولة الإقصاء بعد النجاح ليست علامة ضعف في صفّ من تحركوا، بل علامة انهيار في صفّ من كانوا يحتكرون.
في النهاية، من يختار أن لا يصمت أمام الظلم أو الاحتكار يختار أن يكون في صفّ الحياة لا في صفّ الجمود فالتاريخ لا يذكر أولئك الذين مرّوا بصمت، بل الذين قرروا أن يقفوا ويقولوا “كفى” وحين ترتجف أيدي المتسلطين بعد كل خطوة وعي، فاعلم أن الطريق بدأ يتغير، وأن المستقبل لم يعد ملكاً لمن يحتكر القرار، بل لمن يجرؤ على كسره.
الكاتب من الأردن