فادي السمردلي يكتب: حزب الشخص الواحد وحزب الشلّة معول هدم لمنظومة التحديث السياسي
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
في الأنظمة التي تطمح إلى الدخول في عصر الحداثة السياسية، يفترض أن تكون الحياة الحزبية وسيلة للتنظيم والتطوير والمساءلة، لا أداة للاحتكار والاستبداد ولكن حين يتحول الحزب من كيان مؤسسي جامع إلى كيان يتمحور حول شخص واحد أو شلّة محددة من المنتفعين، فإن الوظيفة الحقيقية للحزب تُختزل، وتتحول من أداة لبناء الدولة إلى وسيلة لتكريس الانغلاق وعرقلة أي مشروع تحديثي ف”حزب الشخص الواحد والشلّة” لا يقوم على أفكار أو برامج، بل على الولاء الشخصي، والتبعية العمياء، والمصالح الخاصة، فيصبح صورة مفرغة من أي مضمون سياسي حقيقي، وعبئًا ثقيلًا على حاضر الدولة ومستقبلها.
هذا النوع من الأحزاب – أو بالأحرى “البُنى الشللية” المقنّعة في شكل حزب – لا يعترف بالتعددية ولا يقبل الاختلاف بل يرى في كل رأي مخالف مؤامرة، وفي كل محاولة للإصلاح تهديدًا فالزعيم يصبح معصومًا، والشلّة المحيطة به تتقاسم المناصب والامتيازات، وتحكم بمنطق الغنيمة وكل ما يخدم بقاء الشخص على رأس الهرم يعتبر “مصلحة وطنية”، وكل ما يهدد هذه المنظومة يُجرد من الشرعية ويُحارب باسم الحفاظ على الاستقرار وبهذا السياق، يصبح الحزب أداة لإدامة حكم الفرد، ويتحول إلى هيكل فارغ من أي مضمون ديمقراطي، فتُشلّ مؤسسات الرقابة، وتُفرّغ القوانين من عدالتها، وتُستخدم الأجهزة لإرهاب الخصوم بدلًا من حماية الحقوق.
التأثير المباشر لهذه البنية المريضة على التحديث السياسي لا يمكن الاستهانة به فالتحديث يقوم على المشاركة، المحاسبة، الشفافية، وتداول السلطة أما في حالة “حزب الشخص الواحد والشلّة”، فكل هذه المبادئ تُجهض منذ لحظة التأسيس فالنخبة السياسية تُصنع داخل الغرف المغلقة، ويُقصى من المشهد كل من لا ينتمي إلى الحلقة الضيقة المحيطة بالقائد، مهما بلغت كفاءته فالقوانين تُفصّل بما يخدم بقاء هذه المنظومة، وتُستخدم كأدوات قمع لا كضمانات للعدالة وحتى إعلامهم ، الذي يُفترض أن يكون سلطة رقابية رابعة، يتم ترويضه وتحويله إلى آلة دعاية تمجّد الشخص وتخوّن المعارض.
وعلى المدى البعيد، يؤدي استمرار هذه الحالة إلى تآكل الشرعية فحين يشعر المواطن بأن لا جدوى من المشاركة، لأن النتيجة معروفة سلفًا، وأن لا معنى للانتخابات، لأنها مجرد إجراء شكلي لتكريس الزعيم ومجموعة المنتفعين من حوله، تتعطل الحياة السياسية كليًا فتتآكل ثقة الناس في الدولة، ويحلّ الإحباط محل الأمل، ويهاجر الشباب القادر على التغيير إما معنويًا بالصمت والانكفاء، أو جسديًا بالفرار وبهذا الشكل، لا يعود هناك أي حاضنة حقيقية للتحديث، بل مجرد مسرح سياسي فارغ يكرر نفسه بلا نهاية.
أما أخطر ما في “حزب الشخص الواحد والشلّة”، فهو أنه ينتج نخبة سياسية مشوّهة، ترى في السياسة وسيلة للغنيمة لا وسيلة للبناء ولا تؤمن بالمنافسة، ولا تحترم القانون، ولا تفكر بمنطق المؤسسات فهي نخبة تتوارث السلطة فيما بينها كأنها ملكية خاصة، وتزرع الانتهازية والفساد في كل زاوية من زوايا المنظومة، مما يجعل أي محاولة إصلاح بمثابة السير في حقل ألغام.
لذلك، فإن كسر هيمنة هذا النمط من الأحزاب لا يمكن أن يحدث من الداخل فقط، بل يحتاج إلى ضغط مجتمعي واسع، وإرادة سياسية حقيقية تؤمن بأن التعددية ليست تهديدًا، بل ضمانة للاستقرار فالإصلاح يبدأ من فتح المجال أمام الأحزاب الحقيقية التي تمثل مصالح الناس لا مصالح الأفراد، وتعتمد على البرامج لا على عبادة الأشخاص ويبدأ من إعادة الاعتبار لفكرة المواطنة الحقوق المتساوية للجميع.
في النهاية، “حزب الشخص الواحد والشلّة” ليس مجرد حالة سياسية منحرفة، بل هو معول يهدم أساس منظومة التحديث، ويمنع تطورها الطبيعي وهو تعبير عن احتكار السلطة، ورفض للمساءلة، وعداء مباشر للتقدم وكل حزب سياسي لا يتخلص من هذه البنية المريضة، لن يعرف يومًا طريق التحديث، بل سيظل يدور في حلقة مفرغة من الاستبداد والجمود والانحدار.
الكاتب من الأردن