فادي السمردلي يكتب: الجامعة الأردنية صرح شامخ لا تهزه الأحداث الفردية
بقلم: فادي زواد السمردلي. ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
في خضمّ الحوادث الأخيرة التي شهدها الحرم الجامعي في الجامعة الأردنية، برزت مشاجرة محدودة بين مجموعة من الطلبة، ورغم أنها حادثة مؤسفة ومرفوضة من الجميع، فإنها تبقى تصرفًا فرديًا لا يعكس الصورة الحقيقية ولا الجوهر العميق لهذه المؤسسة الوطنية العريقة فالجامعة الأردنية، بصفتها أقدم وأكبر صرح أكاديمي في المملكة، لم تُشيّد مكانتها من فراغ، بل من تاريخ طويل من الإنجاز والريادة والعطاء العلمي والبحثي، الذي أسهم في بناء الإنسان الأردني الواعي والمسؤول، وخرّج أجيالًا حملت راية الوطن بكل صدق وإخلاص.
لقد كانت الجامعة الأردنية، منذ تأسيسها في ستينيات القرن الماضي، قلبًا نابضًا للحياة الفكرية والعلمية، ومختبرًا حقيقيًا لصناعة القيادات الوطنية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فهي لم تكن يومًا مجرد مؤسسة تعليمية، بل مشروع وطني متكامل هدفه الأول بناء العقل، وترسيخ القيم، وصون الهوية الأردنية الجامعة التي تحتضن الجميع دون تمييز أو إقصاء.
لقد حاول البعض، للأسف، تضخيم ما جرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في مشهد يعكس أحيانًا نزعة التهويل على حساب الحقيقة، متناسين أن الجامعات في العالم كله فضاءات مفتوحة للنقاش والاختلاف والتفاعل الإنساني، وأن ما يحدث أحيانًا من تجاوزات فردية لا يعدو كونه حالات شاذة لا تمثل روح الجامعة ولا قيمها الراسخة فمن يعرف الجامعة الأردنية حق المعرفة، يدرك تمامًا أنها كانت ولا تزال منارة للعلم ومركزًا لتلاقي مختلف المكونات الاجتماعية والثقافية على أساس من الاحترام المتبادل والانتماء الوطني الصادق ففي ساحاتها تتقاطع الأفكار وتتلاقى الطموحات، وفي قاعاتها يُصنع الوعي وتُبنى الشخصيات. وما جرى لن يكون إلا سحابة صيف عابرة، سرعان ما تنقشع لتبقى الشمس مشرقة فوق هذا الصرح الذي خرّج عبر العقود نخبة من القيادات والعقول التي بنت الوطن وساهمت في نهضته وصون استقراره.
الجامعة ليست مجرد قاعات دراسية أو مختبرات علمية، بل هي بيئة متكاملة لبناء الشخصية المتوازنة وصقل مهارات التفكير والقيادة لدى الشباب. ومن هنا، فإن ما حدث يجب أن يكون فرصة للتأمل والمراجعة الإيجابية، ولتعزيز قيم الاحترام والمسؤولية والتنوع الفكري، لا ذريعة للتعميم أو التجريح أو الانتقاص من مكانة الجامعة فالمجتمع الجامعي هو صورة مصغرة عن الوطن، وإذا نجح في إدارة اختلافاته بالحوار والعقلانية، فإنه يقدم نموذجًا راقيًا يحتذى به في كل مؤسسات المجتمع.
من الظلم أن تُقاس سمعة مؤسسة بحجم الجامعة الأردنية من خلال تصرفات فردية أو مشاهد مجتزأة تُتداول على مواقع التواصل فالمؤسسات العريقة لا تهتز بموقف عابر، بل تزداد قوة كلما واجهت التحديات بروح المسؤولية والحكمة والجامعة الأردنية، بما تمثله من إرث أكاديمي وطني، أكبر من أن تُختزل في حادثة أو مشهد عابر، فهي بيت لكل الأردنيين، ورمز للعلم والانفتاح والاعتدال، وفضاء يؤمن بأن الفكر لا يُواجه بالعنف، بل بالحوار والعقل والرؤية الوطنية العميقة.
وفي الختام الجامعة الأردنية ستبقى كما عهدناها، صرحًا شامخًا لا تهزه الأحداث الفردية، ومنارة للعلم والعقل والحوار فهي ليست مجرد مؤسسة أكاديمية، بل ذاكرة وطنية عريقة تختزن في جدرانها قصص النجاح والتحدي والإنجاز والرهان الحقيقي سيبقى على وعي طلبتها وإخلاص هيئاتها الأكاديمية والإدارية، الذين يشكلون جميعًا جدار الدفاع الأول عن سمعتها ومكانتها ومهما حاول البعض الاصطياد في الماء العكر أو تشويه الصورة، فإن الحقيقة تبقى ناصعة فالجامعة الأردنية باقية في موقعها الريادي، شامخة في رسالتها، حاضنة للعلم والفكر، وراية مرفوعة في سماء الوطن، تمثل إرثًا لا ينكسر وإيمانًا لا يتزعزع بأن العلم هو السلاح الأقوى لبناء المستقبل.
الكاتب من الأردن