*التوحش الصهيوني بين عقدة الشتات والخرافة التلمودية واستغلال أسطورة الهولوكوست*

د.أحمد العرامي  ….

 

يقوم فكر كيان العدو الصهيوني على بنية نفسية وتاريخية معقدة تجمع بين عقدة الاضطهاد الناتجة عن قرون من الشتات، وبين نزعة التفوق المستمدة من الأساطير التلمودية التي تمنح اليهود شعورًا استثنائيًا بالتميز الإلهي. هذا المزيج أنتج مشروعًا متوحشًا، يبرر العنف والهيمنة على الآخرين باسم “الاختيار الإلهي”، ويُغلف جرائمه بخطاب ديني زائف يوظف الخرافة لتبرير الواقع الدموي في فلسطين والمنطقة.
تتجذر مظاهر هذا التوحش في الخرافات التلمودية التي ترى أن غير اليهودي أدنى منزلة، وأن الأرض ومن عليها خُلقوا لخدمتهم لأنهم يزعمون أنهم “شعب الله المختار”. من هذا المنطلق، تتحول السيطرة والقمع والإبادة إلى واجب ديني، وليست في نظرهم جريمة أخلاقية. ويظهر ذلك جليًا في سياسات العدو الإسرائيلي، من قتل الأطفال وتدمير المنازل إلى محو الهوية العربية والمسيحية في القدس، حيث لا تُميز آلة القمع بين مسلم ومسيحي، فالجميع في نظر كيان العدو الصهيوني “آخر” يجب إخضاعه أو إزالته.
أما السيطرة على المسيحيين، فتمت عبر آليتين: الأولى فكرية، من خلال اختراق الكنائس الغربية عبر التيار البروتستانتي الصهيوني الذي أعاد تفسير النصوص الإنجيلية بما يخدم مشروع كيان العدو الإسرائيلي. والثانية سياسية وإعلامية، عبر التحالف مع القوى الغربية التي ترى في إسرائيل أداة لحماية مصالحها. وهكذا تم تحويل المسيحية الغربية إلى مظلة أيديولوجية تبرر الإجرام ، رغم أن المسيح نفسه وُلد وعاش على أرض فلسطين ودعا إلى السلام والعدل لا إلى القتل والاستعلاء.
ترتبط هذه النزعة المتوحشة بعقدة النقص التاريخية الناتجة عن الشتات اليهودي الطويل، حيث تحول الشعور بالعزلة إلى هوس بالسيطرة وإثبات الذات عبر القوة المفرطة. فبدل أن يكون الشتات تجربة إنسانية تدعو إلى التسامح، تحول إلى ذريعة لتبرير كل انتهاك، حتى أصبح ما يسمى بالمحرقة أو الهولوكوست سلاحًا سياسيًا لابتزاز العالم. حيت تُستخدم “المحرقة” كدرع أخلاقي يحصّن كيان العدو الإسرائيلي من النقد، ويبرر ممارساته العنصرية ضد الفلسطينيين باعتبارها دفاعًا عن “الوجود اليهودي”.
بهذا المنطق المقلوب، تحولت الضحية إلى جلاد، والمظلوم إلى قاتل. استثمرت الصهيونية خرافات التلمود وأساطير الاضطهاد لتقيم كيانًا يقوم على نفي الآخر وطمس حضارته. وما يعيشه الفلسطينيون اليوم من قصف وتجويع وتدمير هو امتداد مباشر لتلك العقلية المريضة التي جمعت بين الأسطورة والدونية والعنف.
إن مواجهة هذا التوحش لا تكون بالشعارات، بل بفهم جذوره الفكرية والدينية، وفضح تناقضاته أمام الرأي العام العالمي. فالمحرقة لا تبرر محرقة أخرى، والدين لا يبرر الاحتلال، والتاريخ لا يعيد كرامة أمة عن طريق سحق أمة أخرى. الصهيونية ليست دينًا ولا قومية طبيعية، بل مشروع عنصري يستغل الأساطير والتاريخ لتثبيت واقع من الظلم والإبادة.

التوحش الصهيوني نتاج تفاعل بين خرافة التفوق الديني، وعقدة الاضطهاد التاريخي، واستغلال سياسي للهولوكوست. هذا المزيج أنتج كيانًا يعيد إنتاج التوحش تحت غطاء القداسة، ويفرض على العالم أن يرى في الضحية “مجرمًا”، وفي المجرم “ضحية”. لكن التاريخ لا يرحم من يزوّر الذاكرة الإنسانية، والعدالة في النهاية لا تُشترى بالخوف ولا تُصنع بالدم.

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا