العنف بين الطلبة في الجامعات

د. ماجد عبد العزيز  ….

تعاني الأسرة العربية من ذوبان المفهوم والوظيفة والغاية منها، لقد أصبح الفرد أو الأنا الكوني سمة المرحلة، الكل منغلق منعزل عن الآخرين، لكنه المتفاعل مع العالم أجمع في ذات الوقت.
أما ما يتعلق بالقيم والأخلاق، فهي اهتزت بفعل انسيابية الفوضى السيبرانية العارمة وفرض معايير أبعد ما تكون عن عادات وتقاليد وأعراف المجتمعات، معايير تعلي من الأنانية ومن البحث عن الشهرة الزائفة وعن العائد المادي السهل السريع بأية وسيلةٍ كانت.
تواجه الجامعات في العالم تحديات في المقدرة على ضبط السلوك الجامعي العام لدى الطلبة، فالجامعة تتسّم أنها مجتمع مضغّر عن المجتمع العام الأكبر، وهذا المجتمع بتلاوينه المختلفة، يتواجد في مساحات وأماكن محددة، كما أنه يتفاعل ضمن شبكة علاقات ممتدة محكومة بجملة معايير ناظمة لها، وهذه المعايير منها ما هو رسمي ومعلن، ومنها ما هو ضمني وغير رسمي.
إن ظاهرة العنف الاجتماعي والتي خرج عنها ما يدعى بالعنف الطلابي، هي ظاهرة عالمية ممتدة وغير مقيّدة بأية خصائص او متغيرات ديمغرافية، وتعاني المؤسسات التعليمية من كيفية ضبط ومتابعة هذا السلوك المنحرف غير السوّي، والعمل على تأمين بيئة تعليمية صديقة، وتوفير المقدرة للتكيّف الإيجابي، مع مساحات من ممارسة الإهتمامات والهوايات والرغبات الشخصية لدى الطلبة دون انتهاك لحقوق الآخرين.
هناك تفشّي التنمّر وخطاب الكراهية وانتشار التحول الرقمي الذي عزز من كثيرٍ من المعضلات الأخلاقية، وأصبح العنف الاجتماعي ملاحظاً بشكل كبير من حيث الكم والشدّة والنوع، كما أن طغيان العلاقات المسمومة، والأنامالية، أدت بالأفراد والمجتمعات إلى عدم المقدرة على ضبط مستويات العنف. فيما تعاني المؤسسات التربوية المدرسية والجامعية من أوبئة اجتماعية متعددة الجوانب والغايات. حتى أصبحت عديد من الجامعات مهددة كونها تخلّفت عن المعايير العالمية المعتمدة.
كيف يمكن بناء منظومة قيم أخلاقية لدى طلبة الجامعات، وتوفير بيئة صديقة داعمة ومعززة للعمل التربوي والفعل التعليمي. وتحقق الأهداف والغايات الشخصية للطالب. إنها المعادلة التي تسعى المؤسسات التعليمية لتحقيقها وتقويتها وتكريسها كغاية رئيسة من غايات ومبررات وجودها.
مرّ الأردن في سلسلة تغيّرات وتحولات شملت كافة مفاصل المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وقبل وبعد تلك كانت التغيّرات السكّانية المتعاقبة التي أخذت شكل طفرات داهمت المجتمع على صورة موجات بشرية نتيجة الحروب والأزمات في مناطق الجوار. أدى ذلك إلى نوع من الثراء والإثراء في سمات المجتمع، كما أنه أضفى أنواعاً من السلوكات التي تم تناقلها بين أفراد المجتمع، بحيث جرت تحولات اجتماعية واقتصادية حاسمة وجذرية عملت على إعادة تشكيل البنى المجتمعية والتراكيب الاجتماعية. فيما كان الدور المؤثر والفعّال للتحولات التقنية الرقمية الهائلة، التي لم تكن مقصورة على الأردن بل شملت مختلف دول ومجتمعات العالم. كما أن الأوضاع السياسية والتوترات المتفاقمة والتي لا تنتهي في المنطقة والمحيط المجاور للأردن، ساهمت في تشكيل طبائع وخصائص اجتماعية فريدة.
بينت كثيراً من الدراسات والتقارير أن عوامل العنف في الجامعات تعود لجملة عوامل ومنها:
– العصبية القبلية تسيطر على عقول الشباب في الجامعات، تسيطر العقلية العشائرية على التعامل بين الطلبة داخل الجامعات الأردنية، وتعتبر السبب الرئيسي في انتشار العنف الجامعي وخروجه عن السيطرة، ويعززه نظام القبول الجامعي المبني على معايير متناقضة وليس على معيار واحد محدد.
– غالباً ما يتم ربط الشرف القبلي بسلوك الفتيات. وتندلع المشاجرات على خلفية إتهام فتيات من قبيلة معيّنة بمواعدة شبّان من قبيلة أخرى. أو بإدعاء أنهن تعرضن إلى التحرّش، وكثيرا ما اندلع شجار في الجامعات عندما يرى طالب قريبةً له تتحدّث مع شبّان من قبيلة أخرى، وتمتدّ الشجارات القبلية إلى خارج حرم الجامعي.
– الطلبة من ذوي المعدلات التراكمية المنخفضة يسهل استفزازهم, ويعملون على تحقيق غاياتهم بالقوة, ويميلون إلى المشاركة في العنف أكثر من الطلبة من ذوي المعدلات المرتفعة.
– نسبة طلاب الكليات الإنسانية أكبر من طلاب الكليات العلمية والتطبيقية. وهذا قد يكون عاملاً في تأجيج العنف الطلابي.
– الطلبة ذوي الدخل والإمكانات المالية المنخفضة، أكثر مشاركة في العنف من الطلبة ذوي الدخل المتوسط والمرتفع.
– الطلبة سكان القرى والبادية والمخيمات يميلون إلى استخدام العنف بدرجة كبيرة.
– تتسع دائرة العنف عندهم لتشمل الدفاع عن صديق أو عن الحقوق أو الرفض من قبل الجنس الآخر, أو إذا طلب منهم مساعدة أبناء العشيرة, اضافة إلى اعتقادهم بأن أنظمة الجامعة ظالمة وتدفعهم إلى استخدام العنف.
– التمثّل بهوية جماعية قبلية أقوى من الهوية الجامعية، خاصة لدى الشباب بعد أن أصبح الحصول على هوية سياسية داخل الحرم الجامعي تشكّل تحدياً واتهاماً.
– العنف الطلابي في الجامعات, هو امتداد للعنف المجتمعي المعاش, وانعكاس لغياب المواطنة الحقة الناجمة عن تهميش مجموعة من السياسات الناظمة للحريات العامة, وتغليب الواسطة والمحسوبية والهوية العشائرية على حساب الهوية الوطنية.
– غياب النشاطات اللامنهجية, والبرامج الفكرية, التي تهدف إكساب الطالب العلم والثقافة وصقل شخصيته وإخراجه من الجو المغلق ودمجه في المجتمع.
– ساهمت أنظمة التأديب وتعليمات انتخابات اتحادات الطلبة بالمساس والحد من الحريات الطلابية, لحساب التعصب العنصري والإقليمي والعشائري.
– تتحول الانتخابات الطلابية إلى مناسبة سنوية لانتشار أوسع لظاهرة العنف الجامعي وظهور شعارات غريبة على الشارع الطلابي تنم عن غياب أو تغييب الوعي الطلابي.
– الضعف في التربية الوطنية الصحيحة، أدى إلى غياب المواطنة في بعض الأحيان ومع فئات من الطلبة.
– غياب التطبيق الفعلي للقانون، فبعد كل حالة عنف داخل الحرم الجامعي، تبدأ التدخلات والوساطات من أجل احتواء الأزمة، وتبدأ العقوبات بالتلاشي حتى تختفي. ليتكرر الفعل نتيجة غياب الجديَّة والصرامة والمساواة في تطبيق القانون.
– تفريغ الجامعات من العمل السياسي والوطني لصالح أشياء أخرى انتهت إلى فراغ في الحالة الطلابية ترجمت بعنف ومشاجرات وبروز عناوين عشائرية وجهوية.
– غياب الوازع الديني، وما أنتجته وسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وضعف القوانين المجتمعية والتشريعات، وانتشار العادات والتقاليد والقيم غير المرغوب فيها بالمجتمع، ومنها ما يتعلق بالتنشئة الأسرية. وللحديث تتمة.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا