كيف تحول الدين إلى لغة سياسية .. ؟

محي الدين غنيم  ….

 

في زمن تتقاطع فيه المصالح وتتصارع القوى، لم يسلم الدين من التحريف ولا من التوظيف السياسي. فقد تحوّل من رسالة سماوية تهدف لإصلاح النفس والمجتمع إلى أداة بيد بعض السياسيين والجماعات، يتلاعبون بها وفق مصالحهم الضيقة، ويستغلون عواطف الناس الدينية لتحقيق مكاسب دنيوية.

لقد أصبح الدين لغة سياسية بامتياز، تُرفع شعاراته في الحملات الانتخابية، وتُستحضر نصوصه في الخطب والمهرجانات، ليس طلبًا للحق أو الإصلاح، بل لاستمالة الجماهير، وتكميم الأفواه، وشرعنة الأفعال والمواقف. فبدل أن يكون الدين ميزانًا للعدل، أصبح في كثير من الأحيان ستارًا للظلم والتسلط.

نرى اليوم كيف تتبنى بعض الأنظمة خطابًا دينيًا لتبرير القمع، وكيف تتخذ بعض الحركات من الدين شعارًا لتكفير خصومها، وكيف يتاجر البعض باسم الشريعة والفتوى لإرضاء جهة أو تبرير فساد. وهكذا، يتحوّل الدين من نور يهدي إلى الحق، إلى سلاح يزرع الفرقة ويغذي الصراع.

إن أخطر ما في هذا التحول هو فقدان الناس ثقتهم في الخطاب الديني، حين يصبح الواعظ تابعًا للسلطة، والعالم موظفًا لدى الحزب، والمنبر أداة لتوجيه الرأي العام بدل توعية العقول. فحين تمتزج قدسية الدين بلغة السياسة، يضيع الإيمان الصافي وسط ضجيج المصالح والولاءات.

الحل لا يكون بمحاربة الدين أو إبعاده عن الحياة، بل بفصله عن التوظيف السياسي، وإعادته إلى مكانه الطبيعي كقيمة أخلاقية وإنسانية، لا كوسيلة للسيطرة أو التبرير. فالدين الحق لا يحتاج إلى حزبٍ يرفعه شعارًا، بل إلى مجتمعٍ يعي قيمه ويعيشها سلوكًا.

إن ما نحتاجه اليوم هو إحياء الدين بمعناه الحقيقي؛ دين الرحمة والعدالة والضمير، لا دين الشعارات والخطابات. فحين يعود الدين إلى مجراه الطاهر، ستسقط كل الأقنعة، وسيتبيّن الفرق بين من يعبد الله، ومن يعبد مصالحه باسم الله.

الكاتب من الأردن

 

قد يعجبك ايضا