فادي السمردلي يكتب: شو بريحك من الولد؟ غير طلاق أمه… حين تلد المنظومات أبناءها من رحم العجز وتربيهم على الغرور
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
المثل الشعبي “شو بريحك من الولد؟ قال طلاق أمه” لا يحتاج إلى شرحٍ طويل بقدر ما يحتاج إلى تأملٍ عميق فتلك اللقطة الساخرة التي تختصر تجربة الشعوب مع المنظومات العقيمة، والمؤسسات التي تدّعي الإنجاز وهي في الحقيقة تلد الخراب جيلاً بعد جيل فظاهر القول ضحكة، لكن في جوهره وجعُ تجربة طويلة مع أماكن وأفكارٍ وأنظمةٍ لا تنجب سوى الخيبة، مهما غيرت أثاث مكاتبها أو تلوّنت شعاراتها.
حين نقول “طلاق أمه” في سياق المنظومات، فنحن لا نتحدث عن نزوة أو هروب، بل عن وعي متأخر بعبثية الاستمرار فالمنظومات حين تُصاب بالعقم الإداري، لا يعود فيها إصلاحٌ ممكن فكل محاولة إصلاحٍ فيها، تشبه زراعة وردٍ في صحراء من الإسمنت فلا ماء يسقيه، ولا شمس تُنضجه، بل فقط نظام تهوية متعطل يكرر أن “الوضع ممتاز”. المشكلة ليست في الأفراد الذين يخطئون أو يقصّرون، فهؤلاء يمكن تقويمهم، بل في البنية نفسها، في “الأم” التي أنجبت جيلاً من الولاءات العمياء، واللغة الخشبية، والعناوين الكبيرة التي تخفي خواءً مزمناً.
كل منظومة تُدار بعقلية دكتاتورية، حتى لو لبست ثوب الحداثة، مصيرها أن تتآكل من الداخل فالدكتاتورية في الإدارة لا تختلف عن الدكتاتورية في السياسة فكلاهما يكره الضوء، ويخاف من الفكرة الجديدة أكثر مما يخاف من الفشل نفسه وحين تمتزج الدكتاتورية بالعنجهية، يولد مزيج غريب منظومة تظن نفسها خالدة، وهي في الحقيقة تحتضر ببطىء وتظن أن صمت الناس رضى، وأن مغادرتهم هروب، بينما هو إعلان طلاق جماعي لا يُقال بصوتٍ عالٍ.
في هذه البيئات، يصبح الأمل بالإصلاح عملاً بطولياً… لكنه عبثي فالإصلاح لا يحدث في مكان يرفض أن يعترف بفساده، ولا في عقلية تعتبر النقد عيباً، والمبادرة تهديداً، والنجاح الفردي خطراً على “وحدة الصف الإداري”. لذلك، حين تفقد الأمل، لا يكن في قلبك ندم لأنك لم تهرب من المنظومة، بل أنقذت نفسك من التحول إلى جزء منها.
هنا يأتي “الطلاق البائن” كخلاصٍ وجودي فأن تبتعد، لا لأنك تكره، بل لأنك لم تعد تصدّق الوهم فالطلاق في هذا السياق ليس نهاية، بل بداية وعي فأن تفهم أن المنظومة التي تُدار بالعقلية نفسها، مهما غيّرت أسماء المدراء أو لوحات الشرف، ستعيد إنتاج الفشل نفسه بثيابٍ جديدة. فالمشكلة ليست في “الولد” – أي الناتج من القرارات والسياسات – بل في “الأم” التي لا تعرف سوى طريقة واحدة للولادة القيصرية القسرية التي تخرج مخلوقات بلا روح، بلا فكر، بلا طموح.
قد يُقال إنك متشائم. لكن في الحقيقة، أنت فقط توقفت عن تجميل القبح فرأيت أن الداخل مظلم مهما لمع السطح، وأن الشعارات لا تُنير الطريق، بل تضلله وهنا يصبح الطلاق موقفاً أخلاقياً فأن ترفض التورط في إعادة تدوير العبث وأن تقول “كفى”، وتمضي إلى مكانٍ يؤمن بأن الإنسان أثمن من الشعار، وأن الإصلاح لا يولد من رحم الخوف، بل من عقول حرة تتنفس المسؤولية لا الخضوع.
المنظومات التي لا تتغير، لا تُصلح، بل تُهجر. لأن من يعيش في بيتٍ تتسرب منه الرطوبة كل يوم، ويكتفي بطلاء الجدران، لن ينجو من العفن في النهاية فالأم المريضة لا تُنجب حياة، والمنظومة التي فقدت وعيها لا تستحق إلا الطلاق فطلاق بائن لا رجعة فيه، لأن الرجوع إلى الظلام بعد رؤية النور، هو خيانة للنفس قبل أن يكون خيانة للعقل.
فالراحة الحقيقية لا تأتي من إسكات الولد، بل من مواجهة الحقيقة فأحياناً، لا يُصلح العطب إلا الرحيل.
الكاتب من الأردن