فادي السمردلي يكتب: وهم الاكتساح حين تصفع الصناديقُ الغرورَ السياسي

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

لنراجع الانتخابات النيابية الأخيرة التي شهدت واحدة من أبرز الظواهر التي تتكرر في المشهد السياسي، وهي “أوهام الاكتساح”، حيث أطلق العديد من قادة الأحزاب وعودًا متفائلة وتوقعات شبه مؤكدة بأنهم سيحققون نتائج ساحقة تضعهم في صدارة المشهد النيابي إلا أن النتائج جاءت بعيدة كل البعد عن تلك التوقعات، مما أظهر فجوة واسعة بين الخطاب السياسي لهذه الأحزاب والواقع الذي يعبر عنه الناخبون فهذه الظاهرة لم تكن وليدة الصدفة، بل هي نتيجة مزيج من العوامل المتراكمة التي قادت إلى هذا الإخفاق الجماعي في تقدير الموقف، وألقت الضوء على مشاكل هيكلية تعاني منها الأحزاب السياسية وأدواتها التحليلية.

أحد الأسباب الرئيسية وراء هذه الظاهرة هو المبالغة في تقدير حجم الشعبية الحقيقية للأحزاب وجهات (الدعم المعلن وغير معلن ) فغالبًا ما تعتمد الأحزاب على قواعدها التقليدية والمؤيدين الذين يظهرون ولاءً مطلقًا لها، مما يؤدي إلى قراءة مشوهة وغير متوازنة للمشهد السياسي وهذا التقدير المفرط للشعبية يعكس انقطاعًا بين القادة السياسيين والواقع على الأرض، حيث تكتفي القيادات بتقارير داخلية أو نتائج استطلاعات رأي غير دقيقة (على الفزعة )، دون إجراء دراسات معمقة للمزاج العام أو فهم التحولات التي طرأت على توجهات الناخبين.

بالإضافة إلى ذلك، يعكس فشل الأحزاب في تحقيق توقعاتها ضعفًا في التواصل مع الناخبين ففي الحملات الانتخابية الأخيرة، اعتمدت العديد من الأحزاب على الخطاب الإعلامي المبني على الشعارات الكبيرة والتعهدات التي قد تفتقر إلى المصداقية أو الواقعية وهذا النهج أوجد حالة من الانفصال بين الناخبين والرسائل التي أرادت الأحزاب إيصالها فالناخبون، بدورهم، أصبحوا أكثر وعيًا وقدرة على التمييز بين الوعود الحقيقية وبين الاستعراض السياسي، واتجهوا إلى تجاهل الأحزاب التي تكرر ذات الخطاب التقليدي دون تقديم حلول ملموسة للقضايا التي تؤرقهم .

إضافة إلى ذلك، فإن انقسامات الأحزاب الداخلية أسهمت بشكل كبير في تقويض فرصها الانتخابية فالأحزاب التي تعاني من صراعات بين قياداتها أو تفتقر إلى الانسجام التنظيمي غالبًا ما تفشل في تقديم صورة متماسكة أمام الناخبين فهذه الانقسامات تعكس حالة من الارتباك وعدم الاستعداد الحقيقي لإدارة شؤون الأحزاب، مما يدفع الناخبين للبحث عن خيارات أخرى تبدو أكثر استقرارًا وتنظيمًا فالأحزاب التي كانت منشغلة بخلافاتها الداخلية ومنح المقاعد على شكل هبات واعطيات بدلاً من توحيد جهودها الانتخابية أو الاستماع إلى قواعدها الشعبية، خسرت فرصة ثمينة لتعزيز مكانتها.

على صعيد آخر، كان الإرث السياسي لبعض الأحزاب التي وجدت لاقصاء الاخر عاملاً حاسمًا في تغيير مزاج الناخبين فمع تزايد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في العديد من الدول، فارتبطت الأحزاب التقليدية في أذهان الناخبين بفشل السياسات السابقة أو الجمود السياسي فالناخبين لم يعودوا يرون في هذه الأحزاب قوى قادرة على التغيير أو تحسين حياتهم، بل اعتبروها جزءًا من المشكلة وهذا الشعور دفع الكثير من الناخبين إلى اختيار مرشحين مستقلين أو قوى سياسية يثقوا بها وتتعهد بتقديم بدائل حقيقية بعيدًا عن الممارسات السياسية القديمة.

من العوامل الأخرى التي ساهمت في زعزعة طموحات الاكتساح هو تنامي حضور المنافسين الجدد في الساحة السياسية فظهور قوى شبابية أو شخصيات مستقلة لا ترتبط بالإرث السياسي التقليدي منح الناخبين خيارات أكثر تنوعًا وهذه الشخصيات قد تكون أقرب إلى نبض الشارع وأكثر جرأة في طرح حلول مبتكرة، مما يجعلها أكثر جاذبية لجيل جديد من الناخبين الباحثين عن تغيير حقيقي وفي المقابل، ظلت بعض الأحزاب والمفترض انها كبرى رهينة خطابها التقليدي، غير قادرة على مجاراة التحولات السريعة التي طرأت على المشهد السياسي.

ولا يمكن تجاهل تأثير الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها بعض الأحزاب في حملاتها الانتخابية فبدلاً من بناء استراتيجيات محكمة تقوم على تحليل دقيق للبيئة السياسية والاجتماعية، اعتمدت على المبالغة في تضخيم قوتها أو التقليل من منافسيها وهذا التخطيط السطحي لم يأخذ بعين الاعتبار التحولات التي طرأت على اهتمامات الناخبين أو التحديات الجديدة التي فرضتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي، دخلت هذه الأحزاب السباق الانتخابي وهي تفتقر إلى رؤية واضحة لكيفية استقطاب الناخبين أو بناء تحالفات انتخابية قوية.

في نهاية المطاف، أثبتت الانتخابات النيابية الأخيرة أن “أوهام الاكتساح” ليست سوى انعكاس لأزمات أعمق تعاني منها الأحزاب السياسية فالنجاح الانتخابي لا يمكن أن يتحقق فقط من خلال حملات إعلامية براقة أو خطاب سياسي متفائل، بل يتطلب فهمًا عميقًا للواقع الاجتماعي والاقتصادي، والتواصل المباشر مع الناخبين، وتقديم برامج سياسية حقيقية تستجيب لتطلعاتهم فإذا لم تدرك الأحزاب هذه الحقائق وتعمل على إصلاح أخطائها، فإنها ستظل عالقة في دائرة التوقعات الخاطئة والخيبات المتكررة، بينما تزداد الفجوة بينها وبين الناخبين.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا