> فادي السمردلي يكتب: حين تأتي الصحوة بعد فوات الأوان غفلة القادة وموت المنظومات

بقلم فادي زواد السمردلي ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

الصحوة المتأخرة لا تساوي شيئًا، بل هي أشبه بمحاولة إنعاش جثةٍ فارقتها الحياة منذ زمن فتأتي هذه الصحوة غالبًا متخفّية بثوب الندم، بعد أن يكون الخراب قد ضرب جذور المنظومة، وبعد أن تكون الأصوات التي كانت تنادي بالإصلاح قد سُحقت تحت عجلات التكبر والإنكار فلا شيء أقسى من أن ترى قائدًا يتبجّح اليوم بما كان يرفضه بالأمس، أو يردد حكمًا كان يسخر ممن نطق بها حين كانت النصيحة ممكنة والتصحيح متاحًا فتلك هي مأساة بعض القادة، الذين يظنون أن الاعتراف بالخطأ يهزّ مكانتهم، بينما الحقيقة أن الإصرار على الخطأ هو ما يسقطهم ويهوي بمنظوماتهم إلى الهاوية.

في بعض المؤسسات والمنظومات نرى القائد الذي يغلق أذنيه عن النقد، ويتخذ قراراته بعقلية “أنا وحدي أفهم”، لا يقبل رأيًا آخر، ولا يحتمل فكرة أن أحدًا قد يملك رؤية أوضح وتحيط به مجموعة من المصفقين، يلمّعون كل قرار، ويبررون كل إخفاق، حتى يختلط عليه النجاح بالوهم فهؤلاء القادة لا يستيقظون إلا حين تنهار الأعمدة، وتبدأ منظوماتهم بالانهيار البطيء فحين يغادر المخلصون ويصمت الصادقون، وتتحول بيئة العمل إلى مسرحٍ للرياء والأنانية والخوف عندها فقط يبدؤون بالاستفهام: “أين أخطأنا؟” لكن الإجابة كانت أمامهم منذ البداية، في كل نصيحة تجاهلوها، وفي كل تحذيرٍ اعتبروه تشكيكًا بولائهم أو كفاءتهم.

الصحوة المتأخرة لا تُعيد المنظومة إلى الحياة، لأنها تأتي بعد أن يكون الخطأ قد أصبح ثقافة، والتسيّب عادة، والظلم منهجًا فحين يفشل القائد في اللحظة التي كان يجب أن يسمع فيها الحقيقة، فإنه لا يُخطئ في قرارٍ واحد فقط، بل يزرع بذور فشلٍ طويل المدى فكل مرة يرفض فيها نصيحة، يضيف لبنة في جدار العزلة الذي يفصله عن الواقع، وكل مرة يبرر فيها خطأه، يضع حجرًا جديدًا في طريق السقوط.

الاعتراف بالخطأ ليس ضعفًا، بل شجاعةٌ لا يملكها إلا القليل فالقائد الواعي هو من يدرك أن الكمال وهم، وأن تصحيح المسار لا يقل أهمية عن اتخاذ القرار وأما أولئك الذين يرون في الاعتراف خطيئة، فإنهم يعيشون أسرى غرورهم، حتى تأتي اللحظة التي تنهار فيها كل أوهامهم دفعة واحدة وما أشد وقع الوعي حين يأتي متأخرًا، لأن الزمن لا ينتظر أحدًا، والمنظومات لا ترحم من يستهين بعوامل تآكلها الداخلي.

تأثير هذه التصرفات التي نراها على المنظومة كارثي، فهي لا تُضعف الأداء فحسب، بل تقتل روح الفريق وتفقد العاملين الثقة في القيادة فحين يرى الموظف أو العضو أن القائد لا يعترف بخطئه، يبدأ الجميع باتباع النهج نفسه، فيتحول الإنكار إلى سلوكٍ عام، وتصبح الأخطاء جزءًا من الهوية المؤسسية فتغيب المحاسبة، ويُكافئ الفشل باسم الولاء، وتُقتل الكفاءة في مهدها لأن من يقول الحقيقة يُعتبر متمردًا وما إن تتفشى هذه العدوى حتى تدخل المنظومة مرحلة الموت السريري تتحرك إداريًا، لكن بلا روح، بلا رؤية.

إن القائد الذي يظن أن الزمن سيتكفّل بتصحيح أخطائه دون أن يغيّر شيئًا في نفسه، يخدع نفسه مرتين مرة حين يتجاهل النصيحة، ومرة حين يصدق أنه ما زال يملك السيطرة بعد أن ضاعت منه خيوطها فالتاريخ لا يرحم المتأخرين، والمنظومات لا تنجو بقياداتٍ تستفيق بعد فوات الأوان فالصحوة حين تأتي بعد الخراب لا تُسمّى وعيًا، بل تُسمّى فشلًا متأخرًا، واستيقاظًا في زمنٍ لم يعد فيه مكان للندم.

إن من أراد أن يحافظ على منظومته، عليه أن يتعلّم فن الإصغاء، وأن يتخلّى عن وهم العظمة فالقائد الحقيقي لا يُقاس بعدد قراراته، بل بقدرته على التراجع حين يدرك أنه أخطأ وأما أولئك الذين يصحون بعد فوات الأوان، فهم لا يصحون في الحقيقة، بل يعلنون انتهاء صلاحيتهم، ويدفعون ثمن عنادهم على أنقاض منظوماتٍ كانت تنتظر منهم وعيًا مبكرًا، لا اعتذارًا متأخرًا.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا