فادي السمردلي يكتب :ازدواجية المناصب في الأحزاب أزمة مؤسساتية تقوض الديمقراطية والقيادة الجماعية
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
تُعدّ ازدواجية المناصب داخل الحزب واحدة من أكثر القضايا التي تكشف عمق الأزمة البنيوية في التنظيمات السياسية، إذ لا يمكن النظر إليها كمجرد خلل إداري عابر، بل بوصفها انعكاسًا لضعف المؤسسية وتغوّل الفرد على المؤسسة فهي ظاهرة تتجاوز البُعد التنظيمي لتصل إلى جوهر العلاقة بين السلطة والمساءلة داخل الحزب، حيث تختلط الأدوار وتذوب الحدود بين من يقرّر ومن يُحاسب، وبين من يُمثّل القواعد ومن يحتكر القرار باسمها.
إنّ خطورة ازدواجية المناصب لا تكمن في الجمع بين موقعين أو أكثر فحسب، بل في ما تولّده من مناخٍ داخلي يسمح بتركيز السلطة في يد فئة محدودة، ويحوّل الحزب من كيانٍ جماعي يدار بالمؤسسات إلى فضاء تتحكم فيه الشخصيات النافذة فحين يصبح القائد هو الأمين العام، وعضو لجنة شفافية و…و…. الخ في آنٍ واحد، فإنّ مبدأ الفصل بين الصلاحيات ينهار تمامًا، ويغدو القائد طرفًا وحكمًا في الوقت نفسه فهذا التداخل يقوّض القدرة على اتخاذ قرارات متوازنة، ويفتح الباب أمام الانحياز، والمحاباة، وتراجع قيم الشفافية التي يفترض أن تُشكّل جوهر العمل الحزبي.
ولا يمكن فهم هذه الظاهرة بمعزل عن السياق الذي تنشأ فيه فالأحزاب التي تُبنى حول الأشخاص لا حول الأفكار، تميل بطبيعتها إلى إنتاج مثل هذه الازدواجية، لأن القيادة فيها تتحول إلى غاية بحد ذاتها، لا وسيلة لخدمة المشروع السياسي أو الوطني ففي هذه البيئة، يصبح الولاء للأفراد أقوى من الولاء للمؤسسة، ويتحول الموقع التنظيمي إلى أداة نفوذ لا إلى موقع مسؤولية ومع مرور الوقت، تتراجع روح المبادرة داخل القواعد، ويتكرّس نمط قيادي مغلق يرفض التجديد ويخشى صعود الكفاءات الشابة.
ورغم أن بعض الأحزاب تبرّر هذه الازدواجية بضعف الكوادر أو قلّة الكفاءات، إلا أن هذا التبرير لا يخفي جوهر المشكلة فحين تتراكم المهام في يد شخص واحد، يفقد الحزب توازنه الداخلي ويصبح رهينةً لنمط قيادة فردية تفرغ العمل الجماعي من مضمونه ومع الوقت، تتحول القرارات إلى صدى لرؤية ضيقة لا تعبّر عن الإرادة الجماعية، فتتآكل الثقة بين القيادة والقاعدة، ويتحوّل الانتماء الحزبي إلى مجرد شكل تنظيمي بلا مضمون ديمقراطي.
إن ازدواجية المناصب لا تُنتج فقط تضاربًا في المصالح، بل تُضعف آليات الرقابة الداخلية وتجعل المحاسبة أمرًا شكليًا فكيف يمكن مساءلة شخص يتولى أكثر من موقع، وهو في الوقت ذاته صاحب القرار والمنفّذ له؟ هنا تصبح الرقابة الداخلية مجرّد ديكور تنظيمي يُستخدم لإضفاء الشرعية على ممارسات سلطوية، فيما تُغلق أبواب المشاركة الحقيقية ويُهمّش الرأي المخالف.
الحلّ لا يكمن في الوعظ أو الدعوات الإصلاحية الخطابية، بل في إصلاح هيكلي يُعيد الاعتبار للمؤسسة ويضمن توزيعًا واضحًا للسلطات داخل الحزب فالإصلاح الحقيقي يبدأ عندما يُدرك الحزب أن قوته لا تُقاس بعدد المقاعد التي يحتلها أفراده في مواقع القيادة، بل بقدرته على إنتاج بدائل جديدة وصناعة قيادات متعاقبة فالحزب الذي يحتكم إلى مؤسساته ويتجنّب تداخل الأدوار هو وحده القادر على ممارسة الديمقراطية داخل أسواره قبل أن يطالب بها خارجها.
إن ازدواجية المناصب داخل الحزب ليست قدرًا محتومًا، بل انعكاس لثقافة سياسية يمكن تغييرها بإرادة تنظيمية صادقة فحين يتغلب منطق المؤسسة على منطق الفرد، وتُصبح المسؤولية تكليفًا لا تشريفًا، يمكن للحزب أن يستعيد توازنه ودوره كمدرسة لإعداد القيادات الوطنية لا كمنصة لتكريس السلطة الشخصية فالديمقراطية الحقيقية لا تبدأ من صناديق الاقتراع، بل من داخل التنظيمات التي تدّعي تمثيلها للشعب.
الكاتب من الأردن