*منع كيان العدو الإسرائيلي للعرب والمسلمين من امتلاك السلاح النووي*
د. أحمد العرامي ….
منذ منتصف القرن العشرين، اتخذ كيان العدو الإسرائيلي سياسة ثابتة تقوم على منع أي دولة عربية أو إسلامية من امتلاك القدرات النووية، سواء لأغراض عسكرية أو حتى سلمية، باعتبار أن تفوقها النووي هو الضمانة الأساسية لاستمرارها وتفوّقها الاستراتيجي في المنطقة. هذه السياسة لم تقتصر على الضغط السياسي، بل تحوّلت إلى عمليات عسكرية واستخباراتية واغتيالات ممنهجة استهدفت البنية العلمية والعقول التي يمكن أن تغيّر ميزان القوى.
في عام 1981 نفّذ كيان العدو الإسرائيلي واحدة من أشهر عملياته العسكرية حين شنّ طائراته الحربية غارة على مفاعل أوزيراك النووي في العراق ودمرته بالكامل قبل أن يبدأ العمل. برّر كيان العدو الإسرائيلي حينها الهجوم بأنه “إجراء وقائي”، لكنه في الواقع كان يرسل رسالة إلى كل المنطقة مفادها أن امتلاك التكنولوجيا النووية خط أحمر.
هذا الهجوم مثّل أول إعلان صريح عن عقيدة العدو الإسرائيلي التي تقوم على “الضرب الاستباقي” ضد أي مشروع نووي عربي.
تكرر المشهد نفسه مع إيران في العقود الأخيرة، ولكن بأساليب أكثر تطورًا. فبدل القصف، استخدم كيان العدو الإسرائيلي عمليات استخباراتية واغتيالات وعمليات سيبرانية. خلال العقدين الماضيين، قُتل عدد من أبرز العلماء الإيرانيين العاملين في البرنامج النووي، من بينهم مسعود علي محمدي ومجيد شهرياري ومصطفى أحمدي روشن وأخيرًا محسن فخري زاده، الذي اعتبر العقل المدبّر للمشروع النووي الإيراني. كل هذه العمليات نُفذت بأسلوب دقيق داخل الأراضي الإيرانية، واتُهمت بها أجهزة موساد كيان العدو الإسرائيلي دون أن يعلن العدو الإسرائيلي مسؤوليته رسميًا. كما استخدم كيان العدو الإسرائيلي الحرب الإلكترونية عبر فيروس “ستوكسنت” الذي عطّل آلاف أجهزة الطرد المركزي في منشآت نطنز الإيرانية وأحدث ضررًا واسعًا دون إطلاق رصاصة واحدة.
أما في مصر وليبيا، فقد سعى كيان العدو الإسرائيلي عبر شبكاته الاستخباراتية لإجهاض أي توجه علمي أو مشروع قد يفضي إلى برنامج نووي عربي. ففي السبعينيات والثمانينيات ظهرت حوادث اغتيال غامضة لعلماء مصريين في مجالات الفيزياء النووية والهندسة الذرية، أبرزها مقتل العالم يحيى المشد في باريس عام 1980، والذي كان يعمل مع العراق في مشروعه النووي، واعتُبر اغتياله رسالة مباشرة بأن الوصول إلى التكنولوجيا النووية سيُقابل بالقوة. كما أن ليبيا في عهد القذافي حين حاولت بناء برنامج نووي تعرضت لاختراقات استخباراتية وضغوط دولية متشابكة انتهت بتفكيك البرنامج وتسليم معداته عام 2003.
كل هذه الوقائع تكشف عن منهج واحد: منع العرب والمسلمين من امتلاك أي شكل من أشكال الردع النووي أو حتى المعرفة النووية المستقلة. كيان العدو الإسرائيلي نفسه يمتلك ترسانة نووية يُقدّر حجمها بعشرات الرؤوس، لكنها تتبع سياسة الغموض النووي فلا تؤكد ولا تنفي امتلاكها السلاح، مما يمنحها تفوقًا نفسياً واستراتيجياً في المنطقة. في المقابل، تُهاجم بشراسة أي محاولة عربية أو إسلامية لتطوير قدرات نووية، حتى لو كانت سلمية، خوفًا من كسر هذا الاحتكار.
سياسة كيان العدو الإسرائيلي هذه لم تكن مجرد قرار أمني بل أصبحت جزءًا من عقيدتها القومية والأمنية، مدعومة بتحالف غربي يوفر لها الغطاء الدبلوماسي والاستخباراتي. وبذلك أصبحت السيطرة على المعرفة النووية في الشرق الأوسط إحدى أدوات الهيمنة السياسية والعسكرية. وبينما يتذرع كيان العدو الإسرائيلي بالخشية من انتشار السلاح النووي، فإنه في الواقع يسعى إلى إبقاء المنطقة في حالة تبعية علمية وعسكرية، تضمن لها البقاء القوة الوحيدة القادرة على الردع والتهديد.
إن منع العرب والمسلمين من امتلاك التكنولوجيا النووية ليس مجرد ملف تقني أو عسكري، بل هو جزء من معادلة كبرى تهدف إلى إدامة تفوق العدو الإسرائيلي وإبقاء ميزان القوى مختلاً لصالحه. وما بين اغتيال العلماء وتدمير المفاعلات وشنّ الحروب الإلكترونية، تتجلى الحقيقة بوضوح: كيان العدو الإسرائيلي لا يخشى السلاح بقدر ما يخشى المعرفة التي قد تخلق جيلاً عربياً وإسلامياً قادراً على كسر احتكار القوة وتغيير قواعد اللعبة في المنطقة.
الكاتب من اليمن