لماذا العالم تجاهل مضلومية اليمن

✒️
رانيا كامل ….

استاذي الكريم حميد عبد القادر عنتر
أولاً أشكرك على صياغة هذا السؤال المؤلم الذي يضع العالم، ونخبه المثقفة قبل غيرها، أمام مرآة قاسية من الحقيقة والأخلاق.

ما تعرّض له اليمن خلال السنوات الماضية ليس مجرد حرب عابرة، بل مشروع استنزاف شامل: حصار برًّا وبحرًا وجوًّا، حرب عسكرية واقتصادية وإعلامية ونفسية، وتجريب لأبشع أسلحة الخراب الناعم، في ظل صمت دولي مريب، وتواطؤ إقليمي مكشوف، وازدواجية معايير فاضحة في خطاب “حقوق الإنسان” و“القانون الدولي”.

يمكن – في محاولة لفهم هذا التجاهل – الإشارة إلى عدة عوامل متداخلة:

1. هيمنة المصالح على القيم
في عالم تحكمه المعادلات النفطية والمالية، صارت حياة الإنسان في البلدان الفقيرة أقل وزنًا من برميل نفط أو صفقة سلاح. لهذا كانت كلفة الانحياز لليمن – سياسيًا واقتصاديًا – أعلى من كلفة الصمت أو التواطؤ عند كثير من الأنظمة.

2. التحكم بالرواية الإعلامية
تمّ تقديم الحرب على اليمن للرأي العام العالمي على أنها “حرب ضرورية” أو “صراع داخلي معقد”، مع تعتيم متعمّد على حجم الكارثة الإنسانية، وتمييع صورة الجلاد والضحية. من يملك الإعلام يملك القدرة على إخفاء المظلومية أو تشويهها.

3. الخوف من “عدوى الاستقلال”
اليمن، رغم جراحه، قدّم نموذجًا مزعجًا لقوى الهيمنة: شعب محاصر يواصل الصمود، وجبهة تعتبر فلسطين جزءًا من معركتها، في وقت هرولت فيه أنظمة للتطبيع وخذلت غزة. هذا النموذج، إن قُدِّم للعالم كما هو، سيحرج كثيرين ويصطدم مع مشاريع التطبيع وإعادة هندسة المنطقة.

4. تطبيع اللامبالاة
بعد تراكم الحروب في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، أصيب جزء من الرأي العام العالمي والإقليمي بحالة “تبلّد” تجاه أخبار الدم والدمار، فأصبح اليمن ضحية جديدة في طابور طويل، تُذكر مأساته أرقامًا لا وجوهًا وأسماء وقصصًا.

 

مع ذلك، يبقى السؤال الأهم الذي تطرحه في ختام نصّك:
هل ما زال في هذا العالم ضمير حي يراجع مواقفه تجاه اليمن؟

الجواب – برأيي – نعم، ما زال هناك ضمير حي، لكنه يحتاج إلى من يوقظه ويزوّده بالمعلومة الدقيقة والرواية الصادقة وأدوات التأثير. وهنا يأتي دور:

الكتّاب والمفكرين والإعلاميين الأحرار: في تحويل مظلومية اليمن من “قضية منسية” إلى قضية رأي عام، عبر المقال، الكتاب، الفيلم، الندوة، المنصة الرقمية، وكل وسيلة متاحة.

النخب اليمنية في الداخل والمهجر: في توحيد خطابها الإنساني بعيدًا عن الانقسام السياسي، وإبراز معاناة الناس لا فقط صراع القوى.

المثقفين في العالم العربي والإسلامي: في الربط بين جراح اليمن وجراح فلسطين، وبين الحصار على صنعاء والحصار على غزة، باعتبارهما وجهين لمشروع واحد، لا قضيتين منفصلتين.

نعم، البترول والدولار اشتروا مواقف كثير من الأنظمة، لكن لا ينبغي أن نسمح لهما بشراء صمت الأقلام الحرة والضمائر الحية.
إنصاف اليمن اليوم لا يكون فقط برفع الشعارات، بل بالالتزام بواجب أخلاقي وإنساني: كشف الحقائق، وتعرية العدوان، وإيصال صوت الجياع والمقهورين إلى كل منبر متاح.

ختامًا، لعلّ السؤال الذي تفضّلتم بطرحه لا يكون مجرد صرخة في الفراغ، بل بداية مراجعة جادة لمواقف النخب، وسعي حقيقي لتحويل مظلومية اليمن إلى قضية عالمية لا يمكن تجاوزها أو شراؤها.

مع خالص التقدير…

الكاتبة من لبنان

قد يعجبك ايضا