فادي السمردلي يكتب:وهم سطوع المنظومات حين تبني عظمتها الزائفة كدجاجة تريد أن تصبح طاووساً
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
تخيّل دجاجة صغيرة، ترتجف كلما مرّت نسمة ريح، لكنها تقف أمام مرآتها كل صباح لتنفش ريشها الباهت وتتوهم أنّه ريش طاووس ملكي فلا لون يلمع، ولا هيبة تتدلّى، ومع ذلك تصرخ في الساحة كأن العالم مدين لها بالتقدير فهذه الدجاجة ليست مجرد كائن ساذج في حظيرة متخيلة، بل هي مجاز حيّ يمكن إسقاطه على بعض المنظومات الضعيفة التي تحاول بكل ما أوتيت من ضجيج وادعاء أن تبدو ساطعة، قوية، قادرة على تحدّي الواقع، بينما حقيقتها هشة إلى درجة لا تستطيع معها الوقوف دون أن تستند على ظلّ غيرها.
في عالم السياسة والإدارة والمؤسسات، نرى بعض النماذج التي تمارس هذا السلوك بشكل شبه يومي منظومات تفتقر إلى البنية الحقيقية للنجاح، لكنها تستميت لتقنع الآخرين أنها مركز الكون فتُضخّم إنجازات سطحية، وتبالغ في وصف خطوات صغيرة بأنها قفزات عظيمة، وتروّج لرؤية بلا أساس، ظنّاً منها أن كثرة الخطاب تغطي قلّة الفعل فذلك أشبه بتلك الدجاجة التي ترفع رأسها وتحرك ذيلها كأنها تحمل ريش الطاووس اللامع، بينما كل ما تملكه مجرد زغب باهت لا يجذب حتى دجاجة أخرى لتصدقها.
المنظومات الضعيفة وقادتها غالباً ما يمتلكون قدرة عجيبة على صناعة الوهم وهم القوة، وهم السيطرة، وهم الوعي، وهم التفوق فيصنعون فقاعات ضخمة من الكلام المكرر والشعارات المملة والقرارات المرتجلة، ثم يعيشون داخلها وكأنها عالم حقيقي في حين أن الطاووس الحقيقي أسطورته في ألوانه الطبيعية، وقيمته في حضوره الجذّاب المستند إلى حقيقة لا تحتاج إلى شرح، فنجد هؤلاء يغرقون في التجميل اللفظي والتضخيم الإعلامي، وكأن كثرة الألوان على الورق تعوّض غياب الريش الحقيقي على الأرض.
الطامة الكبرى ليست في الادعاء ذاته، بل في أن بعض هذه المنظومات تتصرف فعلاً وكأنها مقتنعة بأنها أصبحت طواويس. تبدأ بفرض سلوكيات استعراضية، تتخذ قرارات لا تستند إلى منطق بل إلى رغبة في الظهور، وتعتبر أي نقد تهديداً وجودياً فالدجاجة التي تظن نفسها طاووساً لن تقبل من أحد أن يقول لها الحقيقة، لأنها تعرف في أعماقها أن تلك الحقيقة هي الخيط الرفيع الذي يفصل بين تكبرها وانهيارها الداخلي فلذلك نجد هذه المنظومات تميل إلى خلق دائرة مغلقة من المصفقين وأصحاب الأصوات المنخفضة، فتعيش في بيئة مصطنعة تجعلها أكثر انفصالاً عن الواقع.
ومن هنا تنشأ الكارثة منظومة ضعيفة لكنها متعالية، قادة بلا أدوات لكنهم متضخمون، قرارات بلا حكمة لكنها مطلية بطلاء القوة فيتعاملون مع العالم الخارجي وكأنهم محصنون ضد الفشل، بينما كل خطوة غير مدروسة تكشف هشاشتهم أمام أول اختبار وأسوأ ما في الأمر أنهم يعتقدون أن مشكلة العالم هي عدم رؤية عظمَتِهم، بينما المشكلة الحقيقية أنهم لم ينظروا مرة واحدة في المرآة بشجاعة كافية ليدركوا أن الريش الذي يرفعونه ليس أكثر من زينة ورقية.
في النهاية، تظل الحقيقة بسيطة لا تحتاج إلى فلسفة فالطاووس يصبح طاووساً لأنه يمتلك ما يجعله كذلك، ليس لأنّه يصرخ أو ينفش ريشه وأما الدجاجة، فلا بأس أن تحلم، لكن الخطأ القاتل هو أن تصدّق أن الحلم وحده قادر على تغيير حقيقتها وهكذا هي بعض المنظومات تكثر الكلام، ترفع الشعارات، وتتزين بالوهم، لكن أسرع ما ينهار هو ما بُني على صورة بلا محتوى… ودجاجة مهما حاولت، لن تصبح طاووساً.
الكاتب من الأردن