فادي السمردلي يكتب: الأمير حسين والهوية الوطنية الأردنية توثيق الحكاية وترسيخ الوعي للأجيال القادمة

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

حين يتحدّث سمو الأمير حسين ولي العهد عن الطفيلة الهاشمية، وعن معارك الثورة العربية الكبرى، وعن حدّ الدقيق وتضحيات الأجداد، فإنه لا يستعيد الماضي بوصفه تاريخًا قديمًا، بل كجذر ممتد في الحاضر، وكحقيقة حيّة لا يمكن فصلها عن تكوين الشخصية الأردنية فهذا النوع من الحديث يحمل في مضمونه نبرة قريبة من الناس ووجدانهم، لكنه في الوقت نفسه ينهض بدلالة سياسية وثقافية عميقة فالأمير لا يكتفي بذكر الأمكنة والأحداث، بل يوظّفها ليبني خطابًا يؤكد أن الهوية الوطنية الأردنية ليست مجرد إرث محفوظ، بل مشروع متجدد يجب أن يعمل الجميع على صيانته.

فالطفيلة بالنسبة للأردنيين ليست مدينة عابرة، بل هي مساحة تختزن ذاكرة الثورة العربية الكبرى، وموقعًا شهد على إرادة الأجداد الذين قاتلوا من أجل بناء مستقبل يليق بالأمة وفي استحضار حدّ الدقيق، تتجلى رمزية المقاومة الأولى، وتتعانق صورة الأرض مع المقاتلين الذين صنعوا في تلك اللحظات الأولى لبنات الدولة وحين يستشهد الأمير بهذه المحطات، فهو يعيد تدوير الرمز ليعيد الأردني إلى بدايات الحكاية، ويذكّره بأن الدولة التي نعيش فيها اليوم ليست صدفة، بل نتاجًا لتضحيات حقيقية وقرارات جسورة.

وفي جوهر حديث الأمير حسين، تبرز دعوة واضحة ومباشرة إلى ضرورة توثيق قصة الأردن، ليس بشكل أكاديمي جامد، وإنما بطريقة تشاركية تعكس روح المجتمع الأردني فالأمير لا يتحدث عن مشروع حكومي فقط، بل يتحدث عن جهد وطني عام يشترك فيه كل أردني، من الباحث والمؤرخ إلى الشاب الذي يصنع محتوى على منصات التواصل، ومن كبار السن الذين يحملون روايات شفوية ثمينة إلى الأمهات اللواتي ينقلن للأبناء قصص الأجداد فهذه النظرة الشمولية تعكس فهمًا عميقًا لطبيعة المجتمع الأردني الذي تُبنى هويته من تداخل أدوار الناس، لا من نص واحد يكتب في مؤسسة رسمية.

ولعلّ القيمة الأهم في هذا الخطاب تتمثل في توجيهه نحو المستقبل فحين يصرّ الأمير على أن توثيق الحكاية الأردنية ضرورة لأجل “أولادنا وأجيال المستقبل”، فإن الرسالة تتجاوز العاطفة لتصل إلى الوعي فالأمير هنا يربط الماضي بالمستقبل ربطًا عضويًا، ويجعل من حماية السردية الوطنية مسؤولية تتجاوز حدود اللحظة السياسية وهذا يعكس إدراكًا بأن الهوية لم تعد تُبنى فقط من القيم المتوارثة، بل أصبحت مهدّدة في زمن السرعة والمعلومات المضللة والجهات التي تحاول إعادة تشكيل تاريخ الدول وفق مصالحها.

ومن المهم أن نلتفت إلى الطريقة التي صيغ بها الخطاب فهو ليس خطابًا بروتوكوليًا، بل خطاب يحمل روح الأردنيين ولهجتهم ونبرة القرب التي تميّز علاقة القيادة بالشعب فهذه الصياغة تمنح الكلام قوة تأثير أكبر، لأنها تلامس وعي الناس لا من بوابة السلطة، بل من بوابة الانتماء.إنها لغة تقول بشكل غير مباشر إن الوطن يُصنع من الناس أولًا، وإن الرواية الوطنية لا تكتمل إلا حين تُكتب بأصوات متعددة.

وفي توسّع دلالات هذا الحديث، يمكن القول إن الأمير حسين يعلن بداية مرحلة جديدة في التعامل مع التاريخ الأردني مرحلة يصبح فيها التوثيق مشروعًا وطنيًا، لا شأنًا أرشيفيًا مرحلة يصبح فيها كل أردني حاملًا لجانب من الحكاية، ومسؤولًا عن نقلها وتطويرها. فالأردن —كما يظهر من هذا الخطاب— ليس قصة كتبها الماضي فقط، بل قصة يكتبها الحاضر والمستقبل، ويشارك فيها الجميع.

وهكذا، يصبح حديث الأمير حسين أكثر من خطاب بل قاعدة لعقد اجتماعي ثقافي جديد، جوهره أن الهوية الوطنية الأردنية ليست مادة للتذكر فقط، بل مسؤولية للتثبيت والتمرير، وأن الأوطان التي تحفظ قصتها تحفظ نفسها، وتمنح أبناءها يقينًا لا تهزّه العواصف.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا