«تجارُ الفتنة… العقولُ العَفِنة التي لا تريدُ للوطن خيراً»

محي الدين غنيم   …..

في الأردن، تعود بين الحين والآخر إلى السطح مشكلة قديمة متجددة، ينعق بها أصحابُ العقول العفنة ممن لا يبتغون للوطن استقراراً ولا لشعبه وحدة. يظهرون على الشاشات أو على منصات التواصل، يتفنّنون في تمزيق النسيج، ويعيدون إنتاج خطاب بائس يقوم على فرز الأردني عن الأردني الفلسطيني، وكأن الوطن بحاجة لموجة جديدة من الكراهية والشك والاصطفاف العقيم.

إن هذا الخطاب ليس بريئاً ولا عابراً، بل هو سُمّ اجتماعي وسياسي. هؤلاء الذين يلوّحون بالهويات ويحاولون تقسيم الناس إلى فئات، هم أنفسهم من يتغذون على الفتن ويرمون الشرر بين أبناء الشعب الواحد. لا يهمّهم نسب، ولا مصاهرة، ولا تاريخ مشترك، ولا دم اختلط فوق تراب واحد، ولا محبة تمتدّ لعقود. هم مجرّد أبواق سوداء تعيش على الضجيج وتقتات من الخراب.

والأخطر من ذلك أنّ هذا الطرح يخدم العدو الصهيوني أولاً وأخيراً؛ فالانقسام الذي يحاولون زرعه هو بالضبط ما يحتاجه الصهاينة لترويض المنطقة وتمرير أوهام “الوطن البديل”، تلك الكذبة التي يرفضها الأردني كما يرفضها الفلسطيني، ويقاومها الشعبان معاً بكل وضوح وثبات. الفلسطيني لم ولن يقبل حلاً ينتقص من حقه التاريخي، لا وطن بديل ولا حل دولتين يقتطع حقه المشروع في أرضه. والأردن أيضاً لم يكن يوماً ولن يكون ساحة لأي تصفية قضية أو تمرير مخطط.

أما أولئك الذين يشعلون النار بين الطرفين، فهم لا يُمثلون الأردن ولا يمثلون فلسطين. هم مجرّد متسلقين على حساب آلام الناس، يسعون للشهرة أو للفت نظر جهة أو لخلق أزمة تُبقيهم في دائرة الضوء. يحرّضون ويصرخون ويكتبون التعليقات السامة، ثم يختفون عندما تبدأ نيران الفتنة بالاتساع، تاركين الناس يواجهون نتائج كلماتهم الساقطة.

لقد أثبت التاريخ أن القضايا الكبرى لا تحميها الأصوات النشاز، بل تحميها الشعوب الواعية. وأن الأردن، بتاريخ وحدته، وبتماسك شعبه، وبعلاقته الطبيعية بين الضفتين، أقوى من كل محاولات العبث. وأن أبناء فلسطين، الذين عاشوا في الأردن شركاء في الحياة والعمل والدم، هم جزء من هذا الوطن كما أنّ الأردنيين جزء من قضيتهم.

لهذا يجب أن يُقالها بصوت واضح:
العقول العفنة التي تثير الفتن لا تمثلنا، ولا تمثل شعب الأردن، ولا تمثل شعب فلسطين. تمثل فقط جهلها وضيق أفقها، وتمثل أجندة لا تخدم إلا العدو.
أما نحن، فمشروعنا واحد، وقضيتنا واحدة، ومستقبلنا واحد.

وستظل وحدة الشعب الأردني والفلسطيني أقوى من كل الأصوات التي تريد تمزيقها…
وستظل الفتنة تموت في كل مرة يحاولون إحياءها.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا