مليون فتاة بلا زواج في الأردن: أزمة نفسية واجتماعية تبحث عن حلول

بقلم: الدكتورة عبير بني طه  …..

 

مليون فتاة بلا زواج في الأردن: قراءة نفسية واجتماعية

مقدمة

تشير التقديرات السكانية في الأردن لعامي 2024–2025 إلى أن عدد السكان بلغ نحو 11.5–11.7 مليون نسمة، بينهم حوالي 5.5 مليون أنثى (47.1%) و6.2 مليون ذكر (52.9%). ورغم هذا التوازن العددي، فإن الواقع الاجتماعي يكشف عن وجود ما يقارب مليون فتاة لم تتزوج بعد.

هذه الظاهرة، التي يُطلق عليها مجتمعيًا “العنوسة”، ليست مجرد رقم إحصائي، بل قضية نفسية واجتماعية لها انعكاسات عميقة على الأفراد والمجتمع.

البعد النفسي

الضغط النفسي على الفتيات: كثير من الفتيات يشعرن بأن المجتمع يربط قيمتهن بالزواج، ما يولّد شعورًا بالقلق أو النقص، ويؤثر على تقدير الذات.

الشباب أيضًا تحت الضغط: ارتفاع البطالة وغلاء المهور يجعل الزواج مسؤولية ثقيلة، فيشعر الشاب بالعجز أو الفشل أمام توقعات المجتمع.

الخوف من المستقبل: تأخر الزواج يثير مخاوف تتعلق بالاستقرار والإنجاب والقبول الاجتماعي، ما ينعكس على الصحة النفسية.

الوصمة الاجتماعية: النظرة السلبية تجاه الفتاة غير المتزوجة أو الشاب الذي لم يرتبط بعد تخلق عزلة نفسية، وتضعف الثقة بالنفس.

التأثير على المجتمع

تأجيل تكوين الأسر: يؤدي إلى انخفاض معدلات الزواج والإنجاب، ما يؤثر على التركيبة السكانية مستقبلًا.

الضغوط الاقتصادية: استمرار البطالة وارتفاع تكاليف الزواج يفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية.

تراجع الروابط الاجتماعية: تأخر الزواج يضعف شبكات الدعم الأسري، ويزيد من الفردانية.

التعدد كحل زائف: طرح التعدد كحل لمشكلة العنوسة قد يهدم بيوتًا مستقرة، ويخلق مشكلات نفسية واجتماعية جديدة بدلًا من معالجة جذور الأزمة.

الحلول من منظور نفسي واجتماعي

تغيير الثقافة السائدة: تعزيز الوعي بأن الزواج ليس معيارًا وحيدًا للقيمة الاجتماعية، بل هو خيار إنساني قائم على المودة والرحمة.

تخفيف الأعباء المالية: الدعوة إلى الاعتدال في المهور والطلبات، والعودة إلى البساطة في الزواج.

توفير فرص عمل للشباب: الاستثمار في مشاريع إنتاجية يقلل البطالة ويمكّن الشباب من تحمّل مسؤوليات الزواج.

دعم الصحة النفسية: توفير برامج إرشاد نفسي تساعد الشباب والفتيات على مواجهة الضغوط الاجتماعية.

تكاتف مجتمعي: إشراك الأسر والمؤسسات في خلق بيئة داعمة تُسهل الزواج وتُقلل من الوصمة المرتبطة بتأخره.

خاتمة

إنّ وجود مليون فتاة بلا زواج في الأردن ليس مجرد رقم إحصائي يُسجَّل في التقارير السكانية، بل هو انعكاس لأزمة مركّبة تتداخل فيها العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية. استمرار هذه الظاهرة دون معالجة جذرية يهدد التوازن الأسري والاجتماعي، ويضعف ثقة الأفراد بأنفسهم وبمؤسساتهم.

الحل لا يكمن في الطرح السطحي أو اللجوء لخيارات تزيد الانقسام، بل في مواجهة الأسباب الحقيقية: البطالة، غلاء المهور، وضغوط الثقافة السائدة.

إن بناء مجتمع أكثر عدلًا وإنسانية يبدأ من إعادة تعريف قيمة الفرد بعيدًا عن الزواج فقط، ومن خلق بيئة داعمة تُمكّن الشباب والفتيات من اختيار مسارات حياتهم بحرية وكرامة.

بقلم: الدكتورة عبير بني طه

27/11/2025

الكاتبة من الأردن

قد يعجبك ايضا