فادي السمردلي يكتب: ذكرى استشهاد وصفي التل… الوطنية والانتماء تُصنعان بالأفعال لا بالأقوال
بقلم فادي زواد السمردلي …..
#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال
في مثل هذا اليوم من كل عام، يقف الأردنيون إجلالًا لذكرى رجلٍ لم يكن مجرّد اسم في سجل الحكومات، ولا رقمًا في تاريخ المناصب، بل كان روحًا وطنية صافية تمشي على الأرض، وشعلة نور حملت معنى الشجاعة والوفاء كما لم يحملها أحد فنتذكر وصفي التل، لا لأن المناسبة تدعونا لذلك، بل لأن الرجل ترك في قلوب الأردنيين أثرًا أعمق من أي خطاب، وأبقى من أي منصب، وأصدق من أي شعار.
كان وصفي التل مدرسة، والمدرسة لا تُنسى فكان منهجًا في الوطنية، والوطنية لا تُمحى وكان شخصية مجبولة على العزيمة والصدق والصلابة، حتى بدا وكأنه صيغ من معدن مختلف، معدن مقاوم لكل ما يضعف الرجال فلم يكن سياسيًا يسعى إلى التصفيق، ولا رجل دولة تهمّه صورته الإعلامية، بل كان قائدًا مشغولًا بأمرٍ واحد كيف يُبنى وطنٌ يستحقه الأردنيون؟
لقد عرف وصفي أنّ خدمة الوطن ليست وظيفة، بل قدر. وأن حماية كرامة الأردنيين ليست بندًا في برنامج حكومي، بل رسالة يعيش الإنسان من أجلها لذلك وضع نفسه في قلب المسؤولية، ومضى في طريقه لا يخشى لومًا ولا تهديدًا، مدفوعًا بإيمان عميق بأن الأردن أكبر من كل الصغائر، وأغلى من كل الحسابات.
كان رجلًا يرى المستقبل بعينين مفتوحتين، ويعرف أن الوطن لا يُبنى بالكلام ولا بالمزايدات، بل بالعرق والصدق والالتزام.ولهذا حمل هموم الناس كما يحمل الجندي بندقيته—بثبات، بعزم، وبلا تراجع فلم يساوم على المبادئ، ولم يرهن مستقبل الأردن لحسابات سياسية، بل آمن بأن قوة الدولة تبدأ من قوة أبنائها، ومن صدق العلاقة بين القائد والشعب.
ولأنّه كان صادقًا في كل خطوة، مخلصًا في كل قرار، وطنيًا في كل موقف… أحبّه الناس، واحترمه الخصوم، وخافه كل من اعتاد المتاجرة بالشعارات.
ومع ذلك—وما أكثر ما يخون الجبناء نور الحقيقة—امتدت إليه يد الغدر، يدٌ لا تعرف الشرف ولا الرجولة، لتغتال رجلًا وقف عمره كله في صف الوطن، وتسلّح بالصدق في زمن كثرت فيه الأقنعة فلم يكن استشهاد وصفي التل نتيجة معركة متكافئة، ولا مواجهة بين رجال، بل كان طعنة خسيسة جاءت من الظلام، كما تأتي الخيانة عادةً حين تعجز عن مواجهة الضوء.
كان بإمكانهم أن يختلفوا معه، أن يناقشوه، أن يحاوروه… لكنهم لم يختاروا شرف المواجهة، بل اختاروا ذلّ الغدر كعادة الجبناء فالجبناء في كل زمان يخشون الرجال الذين يقفون مستقيمين، ويخافون المواقف التي تُعرّي ضعفهم وما حدث لوصفي لم يكن سوى دليل على أن صوت الحق أقوى مما يحتمل الظلام، وأن الرجال العظام لا يسقطون إلا عندما يهتزّ للأوطان ميزانها.
ومع أن الرصاص أنهى حياة الجسد، إلا أنه لم يستطع قتل الفكرة، ولم يطفئ حب الأردنيين له، بل زادهم إيمانًا بأن قيمة الرجل تُعرف من حجم المؤامرات التي تُحاك ضده، ومن خوف الأعداء من تأثيره وإخلاصه.
لقد رحل وصفي، لكن ظلّ اسمه شاهقًا، يعلو فوق كل محاولات الاغتيال، لأن الاغتيال الحقيقي هو نسيان الناس للرجل… ووحّد الأردنيون بإجماع لم يختلف عليه اثنان أن وصفي أكبر من أن يُنسى، وأعظم من أن يُمحى.
وصفي… القائد الذي بقي بعد رحيله فتحوّلت سيرته إلى مرجع أخلاقي، وإلى معيار نقيس به كل مسؤولٍ يتحدث اليوم باسم الوطن فالعمل الذي قدّمه، والطريقة التي عاش بها، والصلابة التي عرفها الأردنيون فيه، جعلت منه بوصلةً لمعنى الوطنية فلم يكن شعارًا، ولا خطيبًا، ولا متملقًا فقد كان رجلًا يعرف قيمة الشرف، وقيمة الأرض، وقيمة الإنسان الأردني.
واليوم، ونحن نستعيد ذكراه، نعيد معها دروسًا لا تبلى فالوطن لا يبنى بالكلام بل بالعرق، أن الانتماء لا يحتاج إلى ميكروفونات بل إلى أفعال، وأن الرجال الذين يصنعون التاريخ ليسوا الذين يكثرون الكلام، بل الذين يضعون أرواحهم فوق أكفّهم حين تدعو الحاجة.
وصفي التل كان واحدًا من أولئك الرجال رجلًا قدّم للأردن أكثر مما قدّم لنفسه، وترك إرثًا لا يُقاس بالسنوات بل بالقيم وإرثه اليوم ليس قصة تُروى، بل منهج يُدرّس، وروح تسكن وجدان الأردنيين.
لقد غادر وصفي التل هذا العالم، لكنه بقي في كل بيت، وكل قلب، وكل لحظة يرافق فيها الأردنيون وطنهم نحو المستقبل فبقي رمزًا للوفاء، صانعًا للكرامة، وشاهدًا على أن العظماء لا يرحلون… بل يتحوّلون إلى ذاكرة وطن لا يموت.
الكاتب من الأردن