حصانة الأمة: بين تربية الإيمان ووعي المؤامرة في مواجهة آلة الاختراق
عبير عبدالحكيم الجنيد. …..
في ظلّ الحرب الناعمة والصراع الحضاري الشامل الذي تواجهه الأمة، برزت مفاهيم “الاختراق” و”تجنيد العملاء” كأخطر الأسلحة التي تستهدف كيان المجتمعات وعقائدها وسيادتها. يُعدّ فكر السيد عبدالملك الحوثي سلام الله عليه والسيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) مناراً في كشف حقيقة هذه الآفات وبيان سبل مواجهتها وفهم هذه الظاهرة الخطيرة.
1. مفهوم الاختراق: يُعرِف السيدان -سلام الله عليهم -الاختراق بأنه عملية تهدف إلى إدخال عناصر فكرية أو سياسية أو أمنية أو ثقافية غريبة عن جسم الأمة وقيمها،لتحقيق أهداف العدو. فهو ليس مجرد تهديد أمني تقليدي، بل هو “غزو ثقافي وفكري” يسبق الغزو العسكري أو يرافقه، كما يؤكّد السيد حسين بدر الدين في حديثه عن أساليب الاستكبار العالمي. وهو عمل استخباراتي معقّد يستهدف “العقل والقلب” قبل كل شيء، لتفكيك البنية الداخلية للمجتمع وإضعاف مناعته.
2. أنواع ومجالات الاختراق وتجنيد العملاء: عدة مجالات رئيسية للاختراق:
· الفكري والعقدي: عبر نشر الشبهات، والتبشير، والثقافات الهدامة، والعلمانية، لفصل الأمة عن دينها وهويتها.
· السياسي: عبر إيجاد كيانات أو أحزاب أو شخصيات عميلة تدور في فلك المشاريع المعادية وتشرّع لها.
· الإعلامي والثقافي: وهو أخطر المجالات، حيث يتم عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي تشويه الحقائق، وترويج نمط حياة مستورد، وتمجيد العدو.
· الاجتماعي: عبر نشر الفساد الأخلاقي، وتمزيق النسيج الاجتماعي (الطائفي، المناطقي، القبلي)، وإشاعة اليأس والإحباط.
· الأمني والعسكري المباشر: عبر تجنيد عملاء لجمع المعلومات أو القيام بأعمال تخريبية.
3. خطورة الاختراق وتجنيد العملاء: يُحذّر السيد عبدالملك الحوثي من أن خطورة الاختراق تكمن في كونه:
· سلاحاً غير مكلف للعدو يُحدث أكبر الأثر، حيث “يُقاتل أبناء البلد بعضهم بعضاً” بتنفيذ أجندة العدو.
· يهدم من الداخل، ويُفقد الأمة ثقتها بنفسها وقياداتها وتاريخها، ويجعلها تابعة ذليلة.
· يُهيئ الأرضية للغزو العسكري والسيطرة المباشرة، كما هو واضح في العديد من التجارب.
· يُضيّع السيادة ويجعل القرار الوطني رهينة بإرادة الخارج.
· يُفرّغ المقاومة والجهاد من محتواهما بتفكيك الوحدة الداخلية للشعب.
4. خطوات ومراحل الاختراق والتجنيد: يتمّ ذلك عبر مراحل متدرجة ومحكمة، منها:
· الاستطلاع والدراسة: فهم ثغرات المجتمع ونقاط ضعفه (الفقر، الجهل، الفرقة).
· التجنيس الفكري والثقافي: غرس القيم والأفكار التي تخدم العدو بشكل تدريجي.
· الاستدراج: عبر الإغراء المادي، أو الوظيفي، أو تقديم “مكاسب” وهمية.
· التوريط والابتزاز: لتحويل الشخص إلى أداة طيّعة بعد تجنيده.
· التنفيذ والتوجيه: حيث يُستخدم العميل في جمع المعلومات أو التخريب أو الترويج حسب المهمة الموكلة.
5. أساليب وطرق الاختراق والتجنيد والثغرات: يذكر الخطابان العديد من الأساليب والثغرات المستغلة،منها:
· استغلال الحاجات المعيشية والفقر لشراء الذمم.
· استغلال النعرات الطائفية والقبلية والمناطقية لتفكيك الوحدة الوطنية.
· استغلال بعض المناصب الرسمية أو الاجتماعية ذات النفوذ.
· غزو الجامعات والمؤسسات التعليمية لتشكيل وعي أجيال متبني لأفكار العدو.
· المنظمات غير الحكومية التي تتحول أحياناً إلى واجهات للتجنيد تحت غطاء العمل الإنساني أو التنموي.
· الإعلام المضلّل الذي يزيّن الباطل ويشوّه صورة المقاومة والممانعين.
· الثغرة الأكبر: الجهل بالدين وضعف الوعي السياسي والثقافي، مما يجعل الفرد عرضة للانحراف.
6. سبل مواجهة الاختراق وتجنيد العملاء والتحصين الداخلي: يُقدّم لنا السيد عبدالملك الحوثي والسيد حسين الحوثي – سلام الله عليهم – رؤية شاملة للمواجهة والتحصين،أبرز عناصرها:
· التربية الإيمانية والقرآنية الرصينة: التي تجعل الولاء لله وحده وتُحصّن الفكر والعقيدة، فهي “الخط الدفاعي الأول”.
· تعزيز الوعي الثقافي والسياسي: بمعرفة العدو وأساليبه، وفهم طبيعة الصراع، من خلال “التثقيف السياسي” المستمر كما أوصى السيد الشهيد.
· تعميق ثقافة المقاومة والاستعداد للتضحية: لأن “الأمة المقاومة” هي الأصعب اختراقاً.
· الوحدة الداخلية: وإغلاق كل الثغرات التي يتسلل منها العدو (طائفية، مناطقية…)، فالتماسك الاجتماعي حصن منيع.
· الاعتماد على الذات: وتقوية الاقتصاد الوطني، لأن التبعية الاقتصادية مدخل رئيسي للاختراق.
· الحذر واليقظة: خاصة من قبل المسؤولين وأهل الرأي، وعدم الانخداع بمشاريع العدو وشعاراته الزائفة.
· دور الأسرة والمدرسة: في غرس القيم الأصيلة ومراقبة ما يتعرّض له الأبناء من غزو فكري.
· الإعلام الواعي: الذي يدافع عن الهوية ويُعرّي المؤامرات، ويكون صدى لصوت الحق.
إن خطر الاختراق والتجنيد هو خطر وجودي يواجه الأمة،وقد بيّن قادة الفكر والجهاد حقيقته وطرق مواجهته. النجاة منه تكمن في العودة إلى الذات، والتمسك بالهوية الإيمانية، وبناء مجتمع واعٍ متماسك قادر على تمييز الصديق من العدو، والحق من الباطل. إن التحصين الداخلي القائم على الإيمان والوعي والوحدة هو الضمانة الحقيقية لسحق مشاريع الاختراق، وبناء مستقبل تتحقق فيه السيادة والحرية الحقيقية بإذن الله.
المصادر :
تم أخذ هذه المعلومات من خطابات السيد عبدالملك الحوثي سلام الله عليه
ومن ملازم : السيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه .
الكاتبة من اليمن