محمد باشا المناصير( رئيس لجنة بلدية الكرك) حين تتكلم المدن
بقلم العميد المتقاعد هاشم المجالي ………..
دخلتُ الكرك ذات صباح، فشعرتُ أن المدينة لا تستقبل زائرها بالحجارة العتيقة وحدها، بل برجالها أيضًا. فالمكان، مهما عتق تاريخه، لا يحيا إلا بمن يتولى أمره بقلبٍ حيّ وضميرٍ يقظ.
لم أكن أعرف محمد باشا المناصير من قبل، ولكنني عرفته حين رأيته. رأيته في استقباله للناس، وفي نبرة صوته، وفي خطواته الواثقة بين أزقة المدينة، وكأن الكرك تعرفه ويعرفها. كان يتحدث، فلا تسمع تكلفًا، ويخاطب الناس، فلا تشعر بحاجزٍ بينه وبينهم.
للعسكريين، حين يغادرون الميدان إلى الخدمة العامة، خُلقٌ خاص؛ فهم لا يعرفون الفوضى، ولا يألفون التردد، ولا يرضون أن يمرّ الوقت بلا أثر. تعلّموا أن القرار أمانة، وأن المسؤولية ليست مقعدًا بل عبئًا، وأن العمل إن لم يكن خالصًا للناس كان عبئًا عليهم.
رأيتُ في مبنى البلدية مشهدًا نادرًا؛ يوم عطلة، والمكاتب عامرة، والموظفون حاضرون، لا لأن قانونًا أجبرهم، بل لأن قائدهم سبقهم إلى المكان. فهكذا تُدار الأمور: أن يحضر المسؤول قبل الموظف، وأن يعمل قبل أن يطلب العمل.
كان يتحدث عن الكرك وكأنها فرد من أسرته؛ يذكر ظلمها في الميزانيات، وقلة حظها في الخدمات، ثم يتحدث لا بشكوى العاجز، بل بعزم من قرر أن يجعل من العام القادم شهادةً له أو عليه. لم يعد الناس يطلبون المعجزات، بل يطلبون الصدق، وقد وجدوه.
جلستُ أتأمل المكان، فتذكرت أن الكراسي لا تخلّد أصحابها، وإنما يخلّدهم ما يتركونه عليها من أثر. فإن نهضوا عنها وقد أصلحوا، ذُكروا بالخير، وإن غادروها وقد قصروا، نُسوا سريعًا.
إن المدن، كالبشر، تفرح بمن يخدمها، وتحزن بمن يخذلها. والكرك اليوم، فيما أظن، تشعر أن من يمسك بزمامها يعرف وزن الأمانة، ويخشى أن يتركها كما وجدها.
وما أحوجنا في هذا الزمان إلى مسؤولٍ يعمل بصمت، ويترك للإنجاز أن يتكلم عنه، فالأفعال أصدق من الخطب، والعدل أبلغ من الشعارات.
الكاتب من الأردن