«البلدية» وكارثة شارع الخليج
ملاحظة قيمة حدثني حولها المخرج الجريء والمتميز عبدالمحسن حيات الذي أثرى الساحة السينمائية بإبداعات كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر «حرب الشوارع» و«الفارق واحد في المئة» و«هذا هو بيتي»، بالاضافة الى أيقونته «حراً كان وسيبقى»، والذي تناول فيه الكويت كدولة لم يصنعها النفط فقط بل عوامل اخرى كان احدها استراتيجية الموقع.
عموما ملاحظته كانت حول مظاهر سلبية يتجاهلها أصحاب أجندة «الظواهر السلبية»، لأنها وببساطة لا تعنيهم… وحيث تتعلق تلك الملاحظة بالدور السلبي الذي تلعبه بلدية الكويت والتي يفترض أن تكون الجهة المسؤولة عن تجميل الكويت لكنها وبكل أسف تسير بخط معاكس لهذه المهمة!
ولعل أهم دليل على ذلك الكارثة البشعة التي اقترفتها البلدية في حق شارع يعتبر من أجمل شوارع الكويت، وهو شارع الخليج العربي.. أو وفق التسمية المتداولة «شارع الكورنيش»، فلقد تمت زراعة ما لا يقل عن 150 إعلاناً عملاقاً على امتداد الشارع الجميل وبكثافة غير مسبوقة من المركز العلمي والى فندق السفير وحتى الآن.. فقط! هذه الإعلانات التي جاءت كالندبات القبيحة في وجه أهم وأجمل شوارع الكويت.
القضية، وكما رواها عبدالمحسن حيات، وهو المتبحر في مشاكل المرور حين اختزلها في عمله «حرب الشوارع»، والذي تناول مشكلة المرور بأسلوب جريء وغير مسبوق، لا تقتصر على الناحية الجمالية وحسب، بل ان مثل هذه اللوحات المنتصبة بلا أدنى معايير أو شروط للسلامة ومخالفة قطعا للذوق العام ومشتتة للانتباه.. تتسبب في حوادث مرورية قد تنشأ عنها وفيات وأضرار مالية وإصابات، ناهيك عن الاختناقات المرورية والهدر المزعج للوقت وللأعصاب!
ففي العالم كله.. لا توجد منصات إعلانية على شارع مطل على البحر.. وإنما نراها فقط على الطرق السريعة، مع توافر شروط صارمة تقتضي وجود فارق مكاني بين كل إعلان وآخر لا يقل عن 1600 متر.. بينما في الكويت تتزاحم المنصات الإعلانية وتتشابك بحيث لا يفصل بينها أحياناً أكثر من ثلاثين او خمسين مترا فقط.. ولعل المضحك المبكي هنا أن هذا يحدث بمباركة البلدية التي تناقض نفسها وقوانينها والتي تنص على حظر إقامة اعلانات كبيرة بهذا الحجم والتصميم المؤذي للبصر وللطريق في شوارع العاصمة والشوارع المهمة.. بل ان هنالك لائحة صدرت في عام 2004 لتنظيم عملية وضع مثل هذه الإعلانات ومقاييسها والمسافات التي تفصلها بل وحتى أسعارها.
بناء على ملاحظة الزميل عبدالمحسن حيات، قمت بجولة على شارع الكورنيش وأصابني المشهد بالهلع فعلا.. فالإعلانات العملاقة تنافس النخيل والأشجار الخضراء.. وتقف شاهدا على قوانين تخرق.. وجمال يتم تشويهه عمدا.. وربما متنفذون أقوى من القانون.. وبلدية عاجزة عن حماية نفسها وقوانينها ودورها كجهة مسؤولة عن الهيئة والناحية الفنية والجمالية للكويت.. ويتضاعف حجم الهلع مع غروب الشمس والذي أجمل ما يكون على شارع الخليج لولا منافسة أضواء اللوحات الإعلانية الكبيرة جداً والتي تعيق أضواؤها مسار الطريق!
وحتى يكون لكلامي هذا معنى.. أتمنى لو يقوم الناس، مسؤولين ومواطنين، بأنفسهم بجولة ليتحققوا من هذه الكارثة البصرية والمرورية، فلربما استطاع أحدهم الضغط لوقف نصب مثل هذه الإعلانات البشعة في أحجامها ومقاييسها.. وإزالة ما هو موجود.. وإعادة الجمال الى شارع الكورنيش.. لعل البلدية تعي حجم ما اقترفته في أجمل شوارعنا على الإطلاق…
سعاد فهد المعجل
