ميركل تبدأ بحزم الأمتعة… نهاية عصر «الربيع الأوروبي»؟

 

الحراك في السياسة العالمية ليس محتاجاً إلى عامل واحد، فصعود أنظمة يمينية شعبوية في أجزاء مختلفة من العالم هو نتاج قوى مختلفة من حيث المضمون. خارج العالم الغربي ثمة أنظمة شعبوية وسلطوية من هذا النوع أو غيره ليست استثنائية. الاستثنائي هو بالذات الأنظمة الديمقراطية. كانت لحظة، بعد انهيار الإمبراطورية السوفياتية.
كان يبدو أن تبني الديمقراطية بأسلوب غربي هو السبيل للانضمام إلى القافلة المنتصرة. تبنوا الديمقراطية واحصلوا على الازدهار الاقتصادي (في أثناء الحرب الباردة كان هذا هو نداء المعركة المركزي من الولايات المتحدة ـ سوبرماركتات مليئة بمنتجان الاستهلاك للجميع أكثر من أيديولوجيا).
نجح الأمر في بعض من هذه الأماكن، وتبين في بعض آخر أن وعود الازدهار الفوري خيبت الأمل؛ وفي أخرى تبين أنه يمكن الازدهار وإن كان بدون الديمقراطية الغربية (هكذا في الصين وفي تركيا حتى وقت أخير مضى). لقد كانت ملابس الديمقراطية الجديدة إما ضاغطة جدًا أو واسعة جدًا. فالسكان المحليون عندها تناسبهم المؤسسات السياسية والثقافية. والزعماء الذين يعدون بالقومية، والنظام، وأحيانًا الدين والسلطة ـ هذه هي العلاجات السياسية التقليدية لكل المفاسد، ليست ناجعة دومًا؛ ففيها أيضًا ظواهر جانبية غير سهلة. ولما لم يكن هناك طب «تقليدي» ناجع، فكلنا سنتمسك بدواء الجدة.
ولكن لو لم يكن صحيحًا الأخذ بكل الظواهر ضمن إطار تفسيري واحد، فلن يكون صحيحاً أيضًا التعاطي معها وكأنها تجري في كون موازٍ. التعديل الأكثر قلقًا للنظام الجديد حتى في الغرب هو صعود ترامب في الولايات المتحدة. ترامب شعبوي نرجسي وطفولي، يدير القوة العظمى رقم واحد في العالم من خلال حسابه على «تويتر»، ويشكل نموذجًا للاقتداء ممن يريدون أن يكونوا ترامب في بلدانهم. من جهة أخرى، ينبغي أن نتذكر أن ترامب بحد ذاته ظاهرة مميزة للسياسة الأمريكية التي رغم التصريحات العديدة عن الكوابح والتوازنات فإن المنتصر (أو من ينتخب للرئاسة) يأخذ كل الصندوق، فهو يعين قضاة المحكمة العليا وإن كان رجلايمينيًا، فهو يتمتع بتأييد مجلس الشيوخ الذي يمنح الأولوية للولايات الصغيرة المحافظة.

شعارات «ألمانيا للألمان» و«ألمانيا القوية» ستهز الاتحاد وسنشعر كلنا بالنتائج على ما يبدو

قد يكون الجمهور الأمريكي لا يريد رئيساً يمينياً، بل ومشكوك في أن يكون أراد رئيسا يمينيا كهذا. معقول أن يعود الرئيس التالي إلى المؤسسات الأمريكية ويدير الدولة بشكل يميني «محترم» (في الولايات المتحدة حتى «اليسار» الديمقراطي اليميني). ما ينبغي أن يقلقنا هو أوروبا الغربية. الضعف السياسي الذي كان لأنغيلا ميركيل، ونتيجة لما جاء في بيانها أنها ستعتزل في نهاية ولايتها، هو أكثر من حركة عادية في البندول السياسي، هو سجل نهاية رمزي لحلم الازدهار وحقوق الإنسان في الجيل الأخير، الجيل الذي ساد فكره في أوروبا، وبقدر أقل في الولايات المتحدة، منذ «ثورة» نهاية الستينيات. هذا الحلم البرجوازي العلماني ـ الذي يفضل جودة الحياة الشخصية و«التمكين الذاتي» على الأحلام القومية التي قادت أوروبا إلى مصيبة حربين عالميتين ـ يتفكك.
لقد اعتاد المعجبون بأمريكا النظر إلى أوروبا باستخفاف، لأنها بعد الحرب العالمية كفت عن أن تكون قوة عسكرية ذات مغزى، وتأثيرها على السياسة العالمية كان هامشياً بالنسبة لتأثير الولايات المتحدة. ولكن أوروبا الغربية هي حجر الزاوية في النظام العالمي. فقد مثلت، أكثر من الولايات المتحدة التي كانت دوماً أكثر تديناً وقومية وعنفاً، إمكانية التخلص من العلاجات السياسية للجدة. وبدون حاملة طائرات، من خلال الميزانية وإعطاء قدوة، نجح الاتحاد الأوروبي في أن يحول دولاً دينية، سلطوية، وأحيانا فاشية سابقة (مثل إسبانيا والبرتغال) إلى ديمقراطيات ليبرالية، هذا نجاح شبه معجزة.
لقد نجحت أوروبا، بخلاف ادعاءات المنتقدين، في استيعاب مهاجرين اجتازوا في معظمهم اندماجًا ناجحًا جداً، وقد فعلت ذلك دون أن تفرض على سكانها نظامًا تقشفياً. لقد كان هذا الخيار الأوروبي متعلقاً باستمرار الازدهار الاقتصادي وبالاستعداد الأمريكي لمواصلة تحمل عبء النفقات الأمنية الغربية في العالم. هذا على ما يبدو انتهى. ميركيل هي رمز الخيار الأوروبي: الانفتاح، والازدهار، والتكافل المتبادل. ألمانيا سخية وملتزمة بالحلم الأوروبي ضمن الاستقرار. «ألمانيا للألمان»، وألمانيا قوية ستهز الاتحاد، وسنشعر كلنا بالنتائج على ما يبدو.

افيعاد كلاينبرغ
يديعوت 31/10/2018

قد يعجبك ايضا