السعودية دولة نموذجية وكذلك إسرائيل بالطبع
لرئيس الحكومة دائماً ادعاءات شديدة ضد الأمم المتحدة، وخاصة ضد مجلس حقوق الإنسان. لماذا يضايقوننا دائماً؟ تساءل، هل أنهوا حل مشكلة حقوق الإنسان في سوريا، وشمال كوريا وإيران؟ وهل إسرائيل فقط هي التي بقيت في خارطة المجذومين؟
يبدو أن هذا ادعاء ساحر. ماذا لإسرائيل، الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، التي تعتمد على الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، ولكل الدول التي تقوم بسجن الصحافيين وقتل معارضي النظام وقمع النساء وتدمير الأقليات؟ وربما يكون هذا هو السبب الذي جعل العالم يضايقها. إسرائيل العضو في منظمة الدول المتقدمة، والصديقة المقربة جدًا من الولايات المتحدة، التي تحمل راية الأقلية المضطهدة التي أقامت لنفسها دولة، يتم اختبارها الآن حسب زيها. من يرد أن الانضمام إلى نادي الغرب فعليه التصرف وفقًا لذلك.
الدولة التي يمكنها إعطاء إسرائيل رداً على ادعاءاتها هي بالتحديد السعودية. صحافي سعودي، جمال الخاشقجي، قتل بوحشية على الأرض التركية على أيدي عملاء في المخابرات السعودية. لو أن هذه الأقوال قيلت في كوريا الشمالية أو في إيران فمن المشكوك فيه أنها كانت ستثير ردًا صادمًا بهذا القدر، إلى درجة تهديد العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة والمملكة. ثمة سلوك مروع لدول مجذومة يعدّ أمراً مفهومًا ضمنًا، فهو يشكل دليلاعلى أنها بربرية، ومتخلفة، وعديمة الثقافة وبعيدة سنوات ضوئية عن الغرب المتنور. ولكن السعودية هي دولة حظيت بمكانة خاصة في الغرب.
المملكة لا تحتج على معاملة الغرب لها بل تبحث عن كبش فداء لتطهير اسمها بمعاقبته
في التقسيم العالمي المقبول، ترفق صفة «المؤيدة للغرب» دائماً مع السعودية. صحيح أنها ليست غربية، لكنها «مؤيدة»، بحيث ترى بالمنظار نفسه مصالح الغرب. لذلك، هي تحظى دائماً بإعفاء من الإدانات عندما تقوم تعدم مواطنيها، وتقمع النساء فيها ولا تشكل مؤسسات ديمقراطية. الحماسة من «غربية» السعودية زادت عن الحد عندما تم تعيين الأمير محمد بن سلمان، ليس فقط وليًا للعهد، بل الشخص الذي يدير المملكة فعلياً. شاب يعرف ما يجري في العالم، وسمح للنساء بقيادة السيارات، وشن حملة ضد فقهاء الشريعة المحافظين، وله رؤيا اقتصادية ساحرة، وهو من وصفه الصحافي توم فريدمان بأنه الزعيم الذي يقود «الربيع العربي الحقيقي» والذي يضمن أيضاً استثمارات كبيرة للشركات الغربية، وبالأساس هو شريك هام في حملة العقوبات ضد إيران.
وماذا لدينا، خيبة أمل كبيرة. الزعيم الذي اعتبر غربياً تقريباً أضر بشكل كبير بقواعد النادي. أي كارثة هذه؟! إلى حين ظهوره في ساحة الشرق الأوسط كـ «واحد من جماعتنا»، فقد ألصق بقعة قبيحة بالبدلة الغربية التي أُلبسها. ومن المهم ذكره أن حملة التنكر لابن سلمان ومملكته لم تقتصر على الدول، فثمة رجال أعمال ورؤساء منظمات دولية شاركوا فيها. الوسط الذي بصورة تقليدية لم يهتم بحقوق الإنسان قرر إبعاد نفسه، ولو رمزيًا، عن مركز القذارة. ابن سلمان، صديق الغرب، ليس جيدًا للأعمال التجارية. كان يمكن للسعودية التذمر من نفاق الغرب، إشارة إلى أن بوتين، وهو مصفي الصحافيين ومعارضيه، بل يعتبر الصحافيين ـ في عدد من دول شرق أوروبا ومنها دول عضوة في الاتحاد الأوروبي ـ معارضين، فلماذا يتعرضون الآن للسعودية، وهي التي حاربت بنفسها الإرهاب، بل وشريكة في محاربة إيران، وهي التي تخلق آلاف أماكن العمل في الغرب. ولكن السعودية لا تدعي ذلك ولا تتنازل عن المسؤولية، بل تحاول الآن إيجاد كبش فداء يكون مقبولاللغرب، مثل الذين ستطهر اسمها بمعاقبتهم.
السعودية ليست الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، بل ليست ديمقراطية على الإطلاق، ومفهوم التنوّر غير معروف بالنسبة لها، لكنها تعرف النظام الغربي جيدًا. هذه العبرة ما زالت غير مستوعبة في إسرائيل، التي ما زالت واثقة بأنها هي التي تصوغ القواعد. يجب الأمل بأن لا يكون قتل صحافي أو سياسي هو الذي سيوقظها من غطرستها ويوضح لها لماذا لا تزال في قائمة المرشحين ليتم اعتبارهم دولاغربية.
تسفي برئيل
هآرتس 31/10/2018